فصل: فَصْلٌ: (فِي خِيَارِ النَّقِيصَةِ)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***


فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏فِي خِيَارِ الشَّرْطِ‏]‏

المتن‏:‏

لَهُمَا وَلِأَحَدِهِمَا شَرْطُ الْخِيَارِ فِي أَنْوَاعِ الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَا الْقَبْضَ فِي الْمَجْلِسِ كَرِبَوِيٍّ وَسَلَمٍ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ لَا تَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَتُحْسَبُ مِنْ الْعَقْدِ، وَقِيلَ مِنْ التَّفَرُّقِ، وَالْأَظْهَرُ

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي السَّبَبِ الثَّانِي مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ مُتَرْجِمًا لَهُ بِفَصْلٍ، فَقَالَ‏:‏ فَصْلٌ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ ‏(‏لَهُمَا‏)‏ أَيْ لِكُلٍّ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ‏(‏وَلِأَحَدِهِمَا شَرْطُ الْخِيَارِ‏)‏ عَلَى الْآخَرِ الْمُدَّةَ الْآتِيَةَ مَعَ مُوَافَقَةِ الْآخَرِ بِالْإِجْمَاعِ‏.‏ نَعَمْ إنْ اسْتَعْقَبَ الْمِلْكَ الْعِتْقُ‏:‏ كَأَنْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَشَرَطَ الْخِيَارَ لَهُ وَحْدَهُ لَمْ يَجُزْ لِعِتْقِهِ عَلَيْهِ، فَيَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْخِيَارِ عَدَمُ ثُبُوتِهِ، وَيَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ‏:‏ كَأَنْ يَشْرِطَ لِأَحَدِهِمَا خِيَارَ يَوْمٍ وَلِلْآخَرِ خِيَارَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، وَلَوْ شَرَطَ خِيَارَ يَوْمٍ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا فِي أَثْنَائِهِ فَزَادَ وَارِثُهُ مَعَ الْآخَرِ خِيَارَ يَوْمٍ آخَرَ جَازَ‏.‏ قَالَ الرُّويَانِيُّ‏:‏ وَيَجُوزُ لِلْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ شَرْطُهُ لِأَجْنَبِيٍّ أَوْ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو لِذَلِكَ لِكَوْنِهِ أَعْرَفَ بِالْمَبِيعِ، وَلَا يَثْبُتُ مَعَ شَرْطِهِ لِلْأَجْنَبِيِّ أَوْ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ لِلشَّارِطِ اقْتِصَارًا عَلَى الشَّرْطِ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَالْأَقْرَبُ اشْتِرَاطُ بُلُوغِ الْأَجْنَبِيِّ لَا رُشْدِهِ، وَإِذَا مَاتَ الْأَجْنَبِيُّ ثَبَتَ الْخِيَارُ لِلشَّارِطِ، وَلَوْ شَرَطَ الْوَكِيلُ فِي الْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ الْخِيَارَ لِلْمُوَكِّلِ أَوْ لِنَفْسِهِ وَلَوْ بِلَا إذْنٍ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ مُوَكِّلَهُ، وَلَيْسَ لِوَكِيلِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَنْ يَشْرِطَهُ لِلْآخَرِ، فَإِنْ فَعَلَ بَطَلَ الْعَقْدُ وَلَهُ شَرْطُهُ لِأَجْنَبِيٍّ بِإِذْنِ مُوَكِّلِهِ، وَلَا يَتَجَاوَزُ الْخِيَارُ مَنْ شُرِطَ لَهُ، فَلَوْ شُرِطَ لِلْوَكِيلِ لَمْ يَثْبُتْ لِلْمُوَكِّلِ وَبِالْعَكْسِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ مُوَكِّلُهُ وَأَطْلَقَ بِأَنْ لَمْ يَقُلْ لِي وَلَا لَكَ فَاشْتَرَطَهُ الْوَكِيلُ وَأَطْلَقَ ثَبَتَ لَهُ دُونَ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ أَحْكَامِ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِهِ وَحْدَهُ، وَلَا يَلْزَمُ الْعَقْدُ بِرِضَا الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ مَنُوطٌ بِرِضَا وَكِيلِهِ، وَلَوْ بَاعَ مُسْلِمٌ عَبْدًا مُسْلِمًا لِمُسْلِمٍ وَجَعَلَ الْخِيَارَ لِكَافِرٍ أَوْ بَاعَ حَلَالٌ لِحَلَالٍ صَيْدًا وَجَعَلَ الْخِيَارَ لِمُحْرِمٍ صَحَّ فِيهِمَا كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ خِلَافًا لِوَالِدِهِ، إذْ لَا مِلْكَ وَلَا وِلَايَةَ، وَحَيْثُ ثَبَتَ لِلْوَكِيلِ الْخِيَارُ لَا يَفْعَلُ إلَّا مَا فِيهِ حَظُّ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ الْمَشْرُوطِ لَهُ الْخِيَارُ لَا يَلْزَمُهُ رِعَايَةُ الْحَظِّ، وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِعَزْلِ الْمُوَكِّلِ وَكِيلَهُ فِي زَمَنِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَلَا بِمَوْتِ الْوَكِيلِ وَلَا الْمُوَكِّلِ فِي الْمَجْلِسِ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الرُّويَانِيُّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُ الْمُصَنِّفِ‏:‏ لَهُمَا وَلِأَحَدِهِمَا شَرْطُ الْخِيَارِ يُوهِمُ جَوَازَ انْفِرَادِ أَحَدِهِمَا بِالشَّرْطِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ قُلْتُ مَعَ مُوَافَقَةِ الْآخَرِ وَلَمْ يُرِدْ الْمُصَنِّفُ بَيَانَ الشَّارِطِ لِوُضُوحِهِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْهُمَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ بَيَانَ الْمَشْرُوطِ لَهُ لَكِنَّ عِبَارَتَهُ لَا تُوفِي بِمَقْصُودِهِ، فَلَوْ قَالَ‏:‏ يَجُوزُ شَرْطُهُمَا الْخِيَارَ لَهُمَا وَلِأَحَدِهِمَا لَأَفَادَ مَقْصُودَهُ، وَلَكِنْ يُمْكِنُ رَدُّ عِبَارَتِهِ إلَى الصَّوَابِ كَمَا قَالَهُ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ بِأَنْ لَا يَجْعَلَ قَوْلَهُ لَهُمَا وَلِأَحَدِهِمَا خَبَرًا عَنْ قَوْلِهِ شَرْطُ الْخِيَارِ وَإِنَّمَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْخِيَارِ، وَالْخَبَرُ قَوْلُهُ ‏(‏فِي أَنْوَاعِ الْبَيْعِ‏)‏ أَيْ شَرْطُ الْخِيَارِ الْكَائِنِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا ثَابِتٌ فِي أَنْوَاعِ الْبَيْعِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَعِبَارَتُهُ تُوهِمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ شَرْطُهُ لِأَجْنَبِيٍّ وَتُوهِمُ جَوَازَ اشْتِرَاطِ وَكِيلِ الْبَائِعِ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَجَوَازَ اشْتِرَاطِ وَكِيلِ الْمُشْتَرِي الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ، وَلَيْسَ مُرَادًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ، وَعُلِمَ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالْبَيْعِ أَنَّهُ لَا يَشْرَعُ فِي غَيْرِهِ كَالْفُسُوخِ وَالْعِتْقِ وَالْإِبْرَاءِ وَالنِّكَاحِ وَالْإِجَارَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ ‏(‏إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَا الْقَبْضَ فِي الْمَجْلِسِ كَرِبَوِيٍّ وَسَلَمٍ‏)‏ فَلَا يَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ فِيهِ لِأَحَدٍ، لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْجِيلَ، وَالْخِيَارُ أَعْظَمُ غَرَرًا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَانِعٌ مِنْ الْمِلْكِ أَوْ مِنْ لُزُومِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

إنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِثَالَيْنِ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَالرِّبَوِيِّ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا فَقَطْ كَالسَّلَمِ، وَأَوْرَدَ عَلَى حَصْرِهِ فِيمَا ذُكِرَ مَسَائِلَ‏:‏ مِنْهَا الْبَيْعُ الضِّمْنِيُّ، وَمِنْهَا الْحَوَالَةُ إذَا جَعَلْنَاهَا بَيْعًا، وَمِنْهَا مَا إذَا اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ، وَمِنْهَا الْمُصَرَّاةُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ شَرْطُ خِيَارِ الثَّلَاثِ فِيهَا لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ الْحَلْبِ وَتَرْكُ الْحَلْبِ يَضُرُّ بِالْبَهِيمَةِ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَيَجِبُ طَرْدُهُ فِي كُلِّ حَلُوبٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُصَرَّاةً، إذْ تَرْكُهَا ثَلَاثًا بِلَا حَلْبٍ يَضُرُّهَا بِلَا شَكٍّ وَإِنْ كَانَتْ الْمُصَرَّاةُ أَشَدَّ ضَرَرًا‏.‏ فَإِنْ قِيلَ لَكَ أَنْ تَقُولَ‏:‏ مَا الْمَانِعُ مِنْ حَلْبِ الْبَائِعِ لَهَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ حِينَئِذٍ وَاللَّبَنُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِمَنْ لَهُ الْمِلْكُ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ اللَّبَنَ الْمَوْجُودَ حَالَ الْبَيْعِ مَبِيعٌ فَهُوَ كَالْحَمْلِ الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْبَيْعِ فَيَمْتَنِعُ عَلَى الْبَائِعِ الْحَلْبُ لِذَلِكَ، وَالْبَائِعُ إنَّمَا يَمْلِكُ لَوْ تَمَّ الْبَيْعُ لِلَّبَنِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْعَقْدِ كَالْوَلَدِ الْحَادِثِ بَعْدَهُ، وَمِنْهَا مَا إذَا بَاعَ الْكَافِرُ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثُمَّ فَسَخَ ثُمَّ بَاعَهُ وَشَرَطَ الْخِيَارَ وَفَسَخَ وَهَكَذَا فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُلْزِمُهُ أَنْ يَبِيعَ بَيْعًا بَاتًّا كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَقَضِيَّتُهُ جَوَازُ الْخِيَارِ لِلْكَافِرِ فِي الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً، وَهُوَ مَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَأَقَرَّهُ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ قَدْ أَتَى الْمُصَنِّفُ بِالْكَافِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ كَرِبَوِيٍّ وَسَلَمٍ فَيَقْتَضِي أَنَّ لَنَا غَيْرَهُمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبْضُ الْعِوَضِ فِي الْمَجْلِسِ وَلَمْ يُوجَدْ‏.‏ أُجِيبَ بِالْمَنْعِ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ يُشْتَرَطُ قَبْضُ الْأُجْرَةِ فِيهَا فِي الْمَجْلِسِ ‏(‏وَإِنَّمَا يَجُوزُ‏)‏ شَرْطُ الْخِيَارِ ‏(‏فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ‏)‏ مُتَّصِلَةٍ بِالْعَقْدِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْخِيَارُ مُتَوَالِيَةٍ ‏(‏لَا تَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ‏)‏؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ امْتِنَاعُهُ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِوَضْعِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ نَقْلَ الْمِلْكِ أَوْ لُزُومَهُ ثَبَتَ فِي الثَّلَاثِ بِمَا رُوِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا ‏{‏أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَشَكَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ إذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ‏}‏ وَفِي رِوَايَةٍ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ ‏{‏وَأَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتَهَا ثَلَاثَ لَيَالٍ‏}‏، وَالْخِلَابَةُ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَمَعْنَاهُ لَا غَبْنَ وَلَا خَدِيعَةَ، فَثَبَتَ خِيَارُ الْمُشْتَرِي بِالنَّصِّ، وَأُلْحِقَ بِهِ الْبَائِعُ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ فَبَقِيَ مَا زَادَ عَلَى الْأَصْلِ، وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ ثَلَاثًا، فَإِذَا كَانَا عَالِمَيْنِ بِمَدْلُولِهَا كَانَ كَالتَّصْرِيحِ بِاشْتِرَاطِ الْخِيَارِ، وَإِنْ كَانَا جَاهِلَيْنِ بِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ، وَفِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ أَنَسٍ ‏{‏أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ بَعِيرًا وَاشْتَرَطَ الْخِيَارَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ، فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْعَ، وَقَالَ الْخِيَارُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ؛‏}‏ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَنْدَفِعُ بِهَا غَالِبًا، فَلَوْ زَادَ عَلَيْهَا بَطَلَ الْعَقْدُ، وَلَا يَخْرُجُ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَهُوَ مُبْطِلٌ لِلْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ يَتَضَمَّنُ غَالِبًا زِيَادَةً فِي الثَّمَنِ أَوْ مُحَابَاةً، فَإِذَا سَقَطَتْ انْجَرَّتْ الْجَهَالَةُ إلَى الثَّمَنِ بِسَبَبِ مَا يُقَابِلُ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ، فَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ فِي الثَّلَاثِ وَيَبْطُلُ مَا زَادَ عَلَيْهَا، وَقَدْ نَبَّهْتُ عَلَى اسْتِثْنَاءِ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، فَإِنْ شَرَطَ الثَّلَاثَ مِنْ الْغَدِ أَوْ فَرَّقَهَا لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ إذَا لَزِمَ لَا يَصِيرُ بَعْدَ ذَلِكَ جَائِزًا، وَيَدْخُلُ فِي الْأَيَّامِ الْمَشْرُوطَةِ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ اللَّيَالِي لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَمُقْتَضَى هَذِهِ الْعِلَّةِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ لَوْ عُقِدَ وَقْتَ الْفَجْرِ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ مَسْحِ الْخُفِّ، وَعَلَى هَذَا لَوْ بَاعَ نِصْفَ النَّهَارِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ يَوْمًا ثَبَتَ إلَى نِصْفِ الْيَوْمِ الثَّانِي، وَيَدْخُلُ اللَّيْلُ فِي حُكْمِ النَّهَارِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ ‏(‏وَتُحْسَبُ‏)‏ الْمُدَّةُ الْمَشْرُوطَةُ ‏(‏مِنْ‏)‏ حِينِ ‏(‏الْعَقْدِ‏)‏ الْوَاقِعِ فِيهِ الشَّرْطُ كَالْأَجَلِ، فَإِنَّ ابْتِدَاءَهُ مِنْ الْعَقْدِ لَا مِنْ التَّفَرُّقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ مِنْ التَّفَرُّقِ لَصَارَ أَوَّلُ مُدَّةٍ الْخِيَارِ مَجْهُولَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ مَتَى يَفْتَرِقَانِ ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ تُحْسَبُ ‏(‏مِنْ التَّفَرُّقِ‏)‏ أَوْ التَّخَايُرِ، وَنَسَبَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَى الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الشَّارِطَ يَقْصِدُ بِالشَّرْطِ زِيَادَةً عَلَى مَا يُفِيدُهُ الْمَجْلِسُ، وَعُورِضَ بِأَنَّ التَّفَرُّقَ مَجْهُولٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاعْتِبَارُهُ يُؤَدِّي إلَى جَهَالَةِ ابْتِدَاءِ الْمُدَّةِ‏.‏ وَلَوْ شُرِطَ الْخِيَارُ بَعْدَ الْعَقْدِ فِي الْمَجْلِسِ وَقُلْنَا بِثُبُوتِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، فَالْحُكْمُ عَلَى الثَّانِي لَا يَخْتَلِفُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ تُحْسَبُ مِنْ الشَّرْطِ لَا مِنْ الْعَقْدِ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الشَّرْطِ بَدَلًا عَنْ الْعَقْدِ لَدَخَلَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ، وَلَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ الْمَشْرُوطَةُ وَهُمَا فِي الْمَجْلِسِ بَقِيَ خِيَارُهُ فَقَطْ وَإِنْ تَفَرَّقَا وَالْمُدَّةُ بَاقِيَةٌ فَبِالْعَكْسِ، وَيَجُوزُ إسْقَاطُ الْخِيَارَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا، فَإِنْ أَطْلَقَا الْإِسْقَاطَ سَقَطَا، وَلِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ الْفَسْخُ فِي غَيْبَةِ صَاحِبِهِ وَبِلَا إذْنِ حَاكِمٍ، لِأَنَّهُ فَسْخٌ مُتَّفَقٌ عَلَى ثُبُوتِهِ بِخِلَافِ الْفَسْخِ بِالْعُنَّةِ‏.‏ وَيُسَنُّ كَمَا قَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ‏:‏ أَنْ يُشْهِدَ حَتَّى لَا يُؤَدِّيَ إلَى النِّزَاعِ ‏(‏وَالْأَظْهَرُ‏)‏ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوْ الشَّرْطِ‏.‏

المتن‏:‏

أَنَّهُ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَمِلْكُ الْمَبِيعِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَلَهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُمَا فَمَوْقُوفٌ، فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ بَانَ أَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ حِينِ الْعَقْدِ وَإِلَّا فَلِلْبَائِعِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏لَوْ كَانَ الْخِيَارُ‏)‏ الْمَشْرُوطُ ‏(‏لِلْبَائِعِ فَمِلْكُ الْمَبِيعِ‏)‏ مَعَ تَوَابِعِهِ كَلَبَنٍ وَمَهْرٍ وَثَمَرٍ وَكَسْبٍ وَنُفُوذِ عِتْقٍ وَحِلِّ وَطْءٍ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ ‏(‏لَهُ وَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَلَهُ‏)‏ أَيْ الْمِلْكُ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا كَانَ هُوَ وَحْدَهُ مُتَصَرِّفًا فِي الْمَبِيعِ، وَنُفُوذُ التَّصَرُّفِ دَلِيلٌ عَلَى الْمِلْكِ ‏(‏وَإِنْ كَانَ‏)‏ الْخِيَارُ ‏(‏لَهُمَا فَمَوْقُوفٌ‏)‏ أَيْ الْمِلْكُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُ الْجَانِبَيْنِ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَتَوَقَّفْنَا ‏(‏فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ بَانَ أَنَّهُ‏)‏ أَيْ الْمِلْكَ فِيمَا ذُكِرَ ‏(‏لِلْمُشْتَرِي مِنْ حِينِ الْعَقْدِ وَإِلَّا فَلِلْبَائِعِ‏)‏، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ‏.‏ وَالثَّانِي الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي مُطْلَقًا لِتَمَامِ الْبَيْعِ لَهُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ‏.‏ وَالثَّالِثُ لِلْبَائِعِ مُطْلَقًا، وَالْخِلَافُ جَارٍ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ كَمَا مَرَّ، وَكَوْنُهُ لِأَحَدِهِمَا بِأَنْ يَخْتَارَ الْآخَرُ لُزُومَ الْعَقْدِ، وَحَيْثُ حُكِمَ بِمِلْكِ الْمَبِيعِ لِأَحَدِهِمَا حُكِمَ بِمِلْكِ الثَّمَنِ لِلْآخَرِ، وَحَيْثُ وَقَفَ وَقَفَ مِلْكُ الثَّمَنِ وَلَوْ شَرْطُ الْخِيَارِ لِأَجْنَبِيٍّ‏.‏ قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ‏:‏ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِمَنْ مَلَكَ الْمَبِيعَ وَذَكَرَ فِيهِ خِلَافًا، وَنَازَعَهُ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْأَجْنَبِيُّ مِنْ جِهَةِ أَحَدِهِمَا فَمِلْكُ الْمَبِيعِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَتِهِمَا فَمَوْقُوفٌ، وَلَوْ اجْتَمَعَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ لِأَحَدِهِمَا فَهَلْ يَغْلِبُ الْأَوَّلُ فَيَكُونُ الْمِلْكُ مَوْقُوفًا أَوْ الثَّانِي فَيَكُونُ لِذَلِكَ الْأَحَدِ‏؟‏، الظَّاهِرُ وَهُوَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ كَمَا قَالَ الشَّيْخَانِ أَسْرَعُ وَأَوْلَى ثُبُوتًا مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ أَقْصَرُ غَالِبًا خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ فِي قَوْلِهِ‏:‏ الظَّاهِرُ الثَّانِي مُعَلِّلًا لَهُ بِأَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَمَثَلُ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ لِوَاحِدٍ بِأَنْ أُلْزِمَ الْبَيْعُ مِنْ الْآخَرِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ الْآخَرِ وَالْحَمْلُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الْبَيْعِ مَبِيعٌ كَالْأُمِّ فَيُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ لَا كَالزَّوَائِدِ الْحَاصِلَةِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَدَثَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ فَإِنَّهُ مِنْ الزَّوَائِدِ، وَمَتَى وَطِئَ الْأَمَةَ الْمَبِيعَةَ مَنْ انْفَرَدَ بِالْخِيَارِ حَلَّ لَهُ لِنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ فِيهَا‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ حِلُّ وَطْءِ الْمُشْتَرِي مُتَوَقِّفٌ عَلَى الِاسْتِبْرَاءِ وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ عَلَى الْأَصَحِّ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِحِلِّ الْوَطْءِ حِلُّهُ الْمُسْتَنِدُ لِلْمِلْكِ لَا لِلِاسْتِبْرَاءِ وَنَحْوِهِ كَحَيْضٍ وَإِحْرَامٍ عَلَى أَنَّهُ قَدْ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ، بِأَنْ يَشْتَرِيَ زَوْجَتَهُ فَلَا يَحْرُمُ وَطْؤُهَا فِي زَمَنِ الْخِيَارِ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِبْرَاءُ، وَلَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي زَمَنِهِ، فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَقَعَ لِبَقَاءِ الْمِلْكِ لَهُ، وَكَذَا يَقَعُ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا وَفُسِخَ الْبَيْعُ لِتَبَيُّنِ بَقَاءِ الْمِلْكِ لَهُ لَا إنْ تَمَّ لِتَبَيُّنِ أَنَّهَا مِلْكُ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَتَمَّ الْبَيْعُ لَمْ يَقَعْ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ، وَإِنْ فَسَخَ فَوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ أَوْ مِنْ أَصْلِهِ، وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ فَلَا يَقَعُ، وَيَحْرُمُ وَطْؤُهَا فِي زَمَنِ الْخِيَارِ إذَا كَانَ لَهُ وَحْدَهُ لِجَهَالَةِ جِهَةِ الْمُبِيحِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي‏:‏ أَيَطَأُ بِالْمِلْكِ أَوْ بِالزَّوْجِيَّةِ، وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْجِهَةُ وَجَبَ التَّوَقُّفُ احْتِيَاطًا لِلْبُضْعِ‏.‏ أَمَّا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لَهُمَا فَيَجُوزُ الْوَطْءُ بِالزَّوْجِيَّةِ لِبَقَائِهَا‏.‏

المتن‏:‏

وَيَحْصُلُ الْفَسْخُ وَالْإِجَازَةُ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِمَا‏:‏ كَفَسَخْتُ الْبَيْعَ وَرَفَعْتُهُ وَاسْتَرْجَعْتُ الْمَبِيعَ، وَفِي الْإِجَازَةِ‏:‏ أَجَزْتُهُ وَأَمْضَيْتُهُ

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيَحْصُلُ الْفَسْخُ‏)‏ لِلْعَقْدِ ‏(‏وَالْإِجَازَةُ‏)‏ لَهُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ ‏(‏بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِمَا‏)‏ فَفِي الْفَسْخِ ‏(‏كَفَسَخْتُ الْبَيْعَ وَرَفَعْتُهُ وَاسْتَرْجَعْتُ الْمَبِيعَ‏)‏ وَرَدَدْتُ الثَّمَنَ ‏(‏وَفِي الْإِجَازَةِ‏:‏ أَجَزْتُهُ‏)‏ أَيْ الْبَيْعَ ‏(‏وَأَمْضَيْتُهُ‏)‏ وَأَلْزَمْتُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ صَرَائِحٌ، وَيَحْصُلَانِ بِالْكِنَايَةِ أَيْضًا‏.‏

قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏‏.‏

المتن‏:‏

وَوَطْءُ الْبَائِعِ وَإِعْتَاقُهُ فَسْخٌ، وَكَذَا بَيْعُهُ وَإِجَارَتُهُ وَتَزْوِيجُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ مِنْ الْمُشْتَرِي إجَازَةٌ، وَأَنَّ الْعَرْضَ عَلَى الْبَيْعِ وَالتَّوْكِيلَ فِيهِ لَيْسَ فَسْخًا مِنْ الْبَائِعِ وَلَا إجَازَةً مِنْ الْمُشْتَرِي‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَالْفَسْخُ بِالْخِيَارِ هَلْ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ حِينِهِ‏؟‏ فِيهِ الْخِلَافُ الْآتِي فِي الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ، وَالْأَصَحُّ فِيهِ الثَّانِي وَمَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ ‏(‏وَوَطْءُ الْبَائِعُ‏)‏ الْأَمَةَ الْمَبِيعَةَ ‏(‏وَإِعْتَاقُهُ‏)‏ الرَّقِيقَ الْمَبِيعَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ الْمَشْرُوطِ لَهُ أَوْ لَهُمَا ‏(‏فَسْخٌ‏)‏ لِلْبَيْعِ‏:‏ أَيْ مُتَضَمِّنٌ لَهُ‏.‏ أَمَّا الْإِعْتَاقُ فَلِتَضَمُّنِهِ الْفَسْخَ‏.‏

وَأَمَّا الْوَطْءُ فَلِإِشْعَارِهِ بِاخْتِيَارِ الْإِمْسَاكِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ قِيَاسُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّجْعَةَ تَحْصُلُ بِالْوَطْءِ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الرَّجْعَةَ لِتَدَارُكِ النِّكَاحِ، وَابْتِدَاؤُهُ لَا يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ فَكَذَا تَدَارُكُهُ، وَالْفَسْخُ هُنَا لِتَدَارُكِ الْمِلْكِ، وَابْتِدَاؤُهُ يَحْصُلُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ كَالسَّبْيِ وَالِاحْتِطَابِ فَكَذَا تَدَارُكُهُ، وَمُقَدِّمَاتُ الْجِمَاعِ كَاللَّمْسِ بِشَهْوَةٍ وَالْقُبْلَةِ لَيْسَتْ فَسْخًا كَاسْتِخْدَامِهِ الرَّقِيقَ وَرُكُوبِهِ الدَّابَّةَ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ‏:‏ الْأَشْبَهُ أَنَّهَا فَسْخٌ، وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ وَطِئَ مِنْهُمَا مُطْلَقًا، وَيَنْفُذُ اسْتِيلَادُ الْبَائِعِ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ أَوْ لَهُمَا، فَإِنْ وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي بِلَا إذْنٍ وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ دُونَهُ لَزِمَهُ الْمَهْرُ وَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ وَطِئَ أَمَةَ غَيْرِهِ بِشُبْهَةٍ، وَكَذَا يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا وَلَمْ يَتِمَّ الْبَيْعُ بِأَنْ فَسَخَ لَا إنْ تَمَّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ مَوْقُوفٌ فِيهِمَا، وَالْوَلَدُ الْحَاصِلُ مِنْهُ حُرٌّ نَسِيبٌ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا لِلشُّبْهَةِ وَحَيْثُ يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ لَا يَثْبُتُ اسْتِيلَادُهُ وَإِنْ مَلَكَ الْأَمَةَ بَعْدَ الْوَطْءِ لِانْتِفَاءِ مِلْكِهِ لَهَا حِينَ الْعُلُوقِ وَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْوَلَدِ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ رِقَّهُ، وَإِنْ وَطِئَهَا الْبَائِعُ وَالْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي دُونَهُ فَكَمَا لَوْ وَطِئَ الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ دُونَهُ فِي الْمَهْرِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالْقِيمَةِ، وَقَوْلُ الْبَائِعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي لَا أَبِيعُ حَتَّى تَزِيدَ فِي الثَّمَنِ أَوْ تُعَجِّلَهُ وَقَدْ عَقَدَ بِمُؤَجَّلٍ فَامْتَنَعَ الْمُشْتَرِي فُسِخَ وَكَذَا قَوْلُ الْمُشْتَرِي‏:‏ لَا أَشْتَرِي حَتَّى تُنْقِصَ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ تُؤَجِّلَهُ وَقَدْ عَقَدَ بِحَالٍّ فَامْتَنَعَ الْبَائِعُ ‏(‏وَكَذَا بَيْعُهُ‏)‏ الْمَبِيعَ ‏(‏وَإِجَارَتُهُ‏)‏ وَوَقْفُهُ ‏(‏وَتَزْوِيجُهُ‏)‏ وَرَهْنُهُ الْمَقْبُوضَ وَهِبَتُهُ الْمَقْبُوضَةَ فَسْخٌ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِإِشْعَارِهِ بِعَدَمِ الْبَقَاءِ عَلَيْهِ، وَصَحَّ ذَلِكَ مِنْهُ أَيْضًا، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْوَطْءُ إلَّا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُ‏.‏ وَالثَّانِي لَا يَكْتَفِي فِي الْفَسْخِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْعَقْدِ فَيُسْتَصْحَبُ إلَى أَنْ يُوجَدَ الْفَسْخُ صَرِيحًا، وَإِنَّمَا جُعِلَ الْعِتْقُ فَسْخًا لِقُوَّتِهِ ‏(‏وَالْأَصْلُ أَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ‏)‏ الْوَطْءَ وَمَا بَعْدَهُ ‏(‏مِنْ الْمُشْتَرِي‏)‏ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ الْمَشْرُوطِ لَهُ أَوْ لَهُمَا ‏(‏إجَازَةٌ‏)‏ لِلشِّرَاءِ لِإِشْعَارِهَا بِالْبَقَاءِ عَلَيْهِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ لَا يَكْتَفِي فِي الْإِجَازَةِ بِذَلِكَ، وَعُلِمَ بِمَا مَرَّ أَنَّ وَطْأَهُ حَلَالٌ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ وَإِلَّا فَحَرَامٌ، وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ‏:‏ إنَّهُ حَلَالٌ إنْ أَذِنَ لَهُ الْبَائِعُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ الْإِذْنِ فِي التَّصَرُّفِ إجَازَةٌ، وَالْمَنْقُولُ خِلَافُهُ‏.‏ وَيُسْتَثْنَى الْوَطْءُ مِنْ الْخُنْثَى وَالْوَطْءُ لَهُ فَلَيْسَ فَسْخًا وَلَا إجَازَةً، فَإِنْ اخْتَارَ الْمَوْطُوءُ فِي الثَّانِيَةِ الْأُنُوثَةَ بَعْدَ الْوَطْءِ تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْوَطْءِ السَّابِقِ ذِكْرُهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَقِيَاسُهُ‏:‏ أَنَّهُ لَوْ اخْتَارَ الْوَاطِئُ فِي الْأُولَى الذُّكُورَةَ بَعْدَ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِالْوَطْءِ السَّابِقِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ أَنَّ مَحَلَّ كَوْنِ الْوَطْءِ فَسْخًا أَوْ إجَازَةً إذَا عَلِمَ الْوَاطِئُ أَوْ ظَنَّ أَنَّ الْمَوْطُوءَةَ هِيَ الْمَبِيعَةُ وَلَمْ يَقْصِدْ بِوَطْئِهِ الزِّنَا لِاعْتِقَادِهِ ذَلِكَ وَالْإِعْتَاقُ نَافِذٌ مِنْهُ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ وَإِنْ كَانَ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ، فَإِنْ أَذِنَ فِيهِ الْبَائِعُ نَفَذَ وَكَانَ إجَازَةً مِنْ الْبَائِعِ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فَمَوْقُوفٌ فِيمَا إذَا كَانَ لَهُمَا، فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ نَفَذَ وَإِلَّا فَلَا، وَغَيْرُ نَافِذٍ فِيمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ، وَالْبَقِيَّةُ صَحِيحَةٌ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ، وَكَذَا إنْ كَانَ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ وَأَذِنَ لَهُ الْبَائِعُ أَوْ بَاعَ لِلْبَائِعِ نَفْسَهُ وَإِلَّا فَغَيْرُ صَحِيحَةٍ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ يُحْمَلُ قَوْلُ الشَّارِحِ إنَّهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ ‏(‏وَ‏)‏ الْأَصَحُّ ‏(‏أَنَّ الْعَرْضَ‏)‏ لِلْمَبِيعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ ‏(‏عَلَى الْبَيْعِ وَالتَّوْكِيلِ فِيهِ‏)‏ وَالْهِبَةِ وَالرَّهْنِ إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِمَا قَبْضٌ ‏(‏لَيْسَ فَسْخًا مِنْ الْبَائِعِ وَلَا إجَازَةً مِنْ الْمُشْتَرِي‏)‏ لِعَدَمِ إشْعَارِهَا مِنْ الْبَائِعِ بِعَدَمِ الْبَقَاءِ عَلَيْهِ وَمِنْ الْمُشْتَرِي بِالْبَقَاءِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ أَنْ يَسْتَبِينَ مَا يَدْفَعُ فِيهِ لِيَعْلَمَ أَرَبِحَ أَمْ خَسِرَ‏؟‏‏.‏ وَالثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ فَسْخٌ وَإِجَازَةٌ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ إنْ ذَلِكَ رُجُوعٌ فِي الْوَصِيَّةِ فَهَلَّا كَانَ ذَلِكَ فَسْخًا‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِضَعْفِ الْوَصِيَّةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي إلَّا أَحَدُ شِقَّيْ الْعَقْدِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏فِي خِيَارِ النَّقِيصَةِ‏]‏

المتن‏:‏

لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بِظُهُورِ عَيْبٍ قَدِيمٍ كَخِصَاءِ رَقِيقٍ وَزِنَاهُ وَسَرِقَتِهِ وَإِبَاقِهِ وَبَوْلِهِ فِي الْفِرَاشِ وَبَخَرِهِ وَصُنَانِهِ وَجِمَاحِ الدَّابَّةِ وَعَضِّهَا وَكُلِّ مَا يَنْقُصُ الْعَيْنَ أَوْ الْقِيمَةَ نَقْصًا يَفُوتُ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ إذَا غَلَبَ فِي جِنْسِ الْمَبِيعِ عَدَمُهُ

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي النَّوْعِ الثَّانِي مُتَرْجِمًا لَهُ بِفَصْلٍ، فَقَالَ فَصْلٌ فِي خِيَارِ النَّقِيصَةِ، وَهُوَ الْمُعَلَّقُ بِفَوَاتِ مَقْصُودٍ مَظْنُونٍ، نَشَأَ الظَّنُّ فِيهِ مِنْ قَضَاءٍ عُرْفِيٍّ أَوْ الْتِزَامٍ شَرْطِيٍّ أَوْ تَغْرِيرٍ فِعْلِيٍّ ثُمَّ شَرَعَ فِي الْأَمْرِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مَا يُظَنُّ حُصُولُهُ بِالْعُرْفِ، وَهُوَ السَّلَامَةُ مِنْ الْعَيْبِ، فَقَالَ ‏(‏لِلْمُشْتَرِي‏)‏ الْجَاهِلِ بِمَا يَأْتِي ‏(‏الْخِيَارُ بِظُهُورِ عَيْبٍ قَدِيمٍ‏)‏ وَالْمُرَادُ بِقِدَمِهِ كَوْنُهُ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ أَوْ حَدَثَ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ الْآتِي‏.‏ أَمَّا الْمُقَارِنُ فَبِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا الْحَادِثُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلِأَنَّ الْمَبِيعَ حِينَئِذٍ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فَكَذَا جُزْؤُهُ وَصِفَتُهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

إنَّمَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي، لِأَنَّ حُصُولَ الْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ هُوَ الْغَالِبُ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ طَرْدِهِ مَسَائِلُ‏:‏ مِنْهَا مَا إذَا حَدَثَ الْعَيْبُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي كَمَا سَيَأْتِي‏.‏ وَمِنْهَا مَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا أَوْ وَلِيَّ مَحْجُورٍ أَوْ عَامِلَ قِرَاضٍ وَكَانَتْ الْغِبْطَةُ فِي الْإِمْسَاكِ‏.‏ وَمِنْهَا مَا إذَا اشْتَرَى الْوَكِيلُ وَرَضِيَ الْمُوَكِّلُ بِالْعَيْبِ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْدِرَ الْمُشْتَرِي عَلَى إزَالَةِ الْعَيْبِ أَمْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ‏.‏ نَعَمْ لَوْ أَحْرَمَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ثُمَّ بَاعَهُ فَلِلْمُشْتَرِي تَحْلِيلُهُ كَالْبَائِعِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ وَلَا خِيَارَ لَهُ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ وَإِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ وَفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَقْصُودِ كَالْعَيْبِ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ، فَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا كَاتِبًا أَوْ مُتَّصِفًا بِصِفَةٍ تَزِيدُ عَلَى ثَمَنِهِ ثُمَّ زَالَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ بِنِسْيَانٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَوَاتُهَا عَيْبًا قَبْلَ وُجُودِهَا، قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ ‏(‏كَخِصَاءِ‏)‏ حَيَوَانٍ بِالْمَدِّ ‏(‏رَقِيقٍ‏)‏ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْفَحْلَ يَصْلُحُ لِمَا لَا يَصْلُحُ لَهُ الْخَصِيُّ، وَالْجَبُّ كَالْخِصَاءِ، وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُمَا بِاعْتِبَارٍ آخَرَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

عِبَارَتُهُ تُفْهِمُ بِغَيْرِ مَا قَدَّرْتُهُ أَنَّ الْخِصَاءَ فِي الْبَهَائِمِ لَيْسَ بِعَيْبٍ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَقَدْ صَرَّحَ الْجُرْجَانِيِّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ عَيْبٌ فِيهَا، وَلِذَلِكَ لَمْ يُقَيِّدْهُ فِي الرَّوْضَةِ بِالرَّقِيقِ‏.‏ وَقَدْ يُقَالُ‏:‏ إنَّ الثِّيرَانَ الْغَالِبُ فِيهَا الْخِصَاءُ، فَلَا يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارٌ لِدُخُولِهَا فِي قَوْلِهِمْ إذَا غَلَبَ فِي جِنْسِ الْمَبِيعِ عَدَمُهُ، وَإِذَا كَانَ فِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ لَا يُعْتَرَضُ بِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَفِي الضَّأْنِ الْمَقْصُودُ لَحْمُهُ تَوَقُّفٌ لِغَلَبَةِ ذَلِكَ فِيهِ، وَكَذَا فِي الْبَرَاذِينِ وَالْبِغَالِ، بَلْ الْفُحُولَةُ نَقْصٌ فِيهَا ‏(‏وَزِنَاهُ‏)‏ أَيْ الرَّقِيقِ ‏(‏وَسَرِقَتِهِ وَإِبَاقِهِ‏)‏ أَيْ كُلٍّ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ وَلَوْ تَابَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ تُهْمَةَ الزِّنَا لَا تَزُولُ، وَلِهَذَا لَا يَعُودُ إحْصَانُ الْحُرِّ الزَّانِي بِالتَّوْبَةِ، وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ السَّرِقَةَ أَوْ الْإِبَاقَ مَعَ التَّوْبَةِ عَيْبٌ هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْإِبَاقِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِنْ السَّرِقَةِ مَا إذَا دَخَلَ مُسْلِمٌ دَارَ الْحَرْبِ وَمَعَهُ عَبْدُهُ فَسَرَقَ الْعَبْدُ مَالَ حَرْبِيٍّ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنْ لَا يُجْعَلَ ذَلِكَ عَيْبًا مُثْبِتًا لِلرَّدِّ ابْتِدَاءً ا هـ‏.‏

وَالْأَوْلَى عَدَمُ اسْتِثْنَاءِ هَذِهِ؛ لِأَنَّهَا غَنِيمَةٌ وَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ عَلَى صُورَةِ السَّرِقَةِ، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ إبَاقِ الْعَبْدِ مَا لَوْ خَرَجَ عَبْدٌ مِنْ بِلَادِ الْهُدْنَةِ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ وَجَاءَ إلَيْنَا فَلِلْإِمَامِ بَيْعُهُ، وَلَا يُجْعَلُ بِذَلِكَ آبِقًا مِنْ سَيِّدِهِ مُوجِبًا لِلرَّدِّ؛ لِأَنَّ هَذَا الْإِبَاقَ مَطْلُوبٌ، وَحَيْثُ قِيلَ لَهُ الرَّدُّ بِالْإِبَاقِ فَمَحَلُّهُ فِي حَالِ عَوْدِهِ‏.‏ أَمَّا حَالَ إبَاقِهِ فَلَا رَدَّ قَطْعًا وَلَا أَرْشَ فِي الْأَصَحِّ ‏(‏وَبَوْلِهِ فِي الْفِرَاشِ‏)‏ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى إنْ خَالَفَ الْعَادَةَ بِأَنْ اعْتَادَهُ لِسَبْعِ سِنِينَ فَأَكْثَرَ تَقْرِيبًا؛ لِأَنَّهُ يَقِلُّ الرَّغْبَةُ فِيهِ، فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ إلَّا بَعْدَ كِبَرِ الْعَبْدِ لَمْ يَرُدَّ وَيَرْجِعُ بِالْأَرْشِ، لِأَنَّ عِلَاجَهُ فِي الْكِبَرِ صَعْبٌ فَصَارَ كِبَرُهُ عَيْبًا حَدَثَ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، وَمَحَلُّ الرَّدِّ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ إذَا كَانَ يَبُولُ عِنْدَ الْبَائِعِ وَظَهَرَ أَمْرُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي‏.‏ أَمَّا لَوْ كَانَ يَبُولُ عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ لَمْ يَبُلْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَلَا رَدَّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَيْبَ قَدْ زَالَ قَبْلَ الْبَيْعِ ‏(‏وَبَخَرِهِ‏)‏ وَهُوَ النَّاشِئُ مِنْ تَغَيُّرِ الْمَعِدَةِ دُونَ مَا يَكُونُ مِنْ قَلَحِ الْأَسْنَانِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَزُولُ بِتَنْظِيفِ الْفَمِ، وَاعْتَرَضَ ذَلِكَ فِي الذَّخَائِرِ بِأَنَّ التَّغَيُّرَ بِالْقَلَحِ لَا يُسَمَّى بَخَرًا‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَهُوَ اعْتِرَاضٌ صَحِيحٌ ‏(‏وَصُنَانِهِ‏)‏ الْمُسْتَحْكِمِ دُونَ مَا يَكُونُ لِعَارِضِ عَرَقٍ أَوْ حَرَكَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَعُيُوبُ الرَّقِيقِ لَا تَكَادُ تَنْحَصِرُ، فَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ نَمَّامًا، أَوْ كَذَّابًا، أَوْ سَاحِرًا، أَوْ قَاذِفًا لِلْمُحْصَنَاتِ، أَوْ مُقَامِرًا، أَوْ تَارِكًا لِلصَّلَاةِ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَيَنْبَغِي اعْتِبَارُ تَرْكِ مَا يُقْتَلُ بِهِ مِنْهَا أَوْ شَارِبًا مَا يُسْكِرُ وَإِنْ لَمْ يَسْكَرْ بِشُرْبِهِ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِالْمُسْلِمِ دُونَ مَنْ يَعْتَادُ ذَلِكَ مِنْ الْكُفَّارِ فَإِنَّهُ غَالِبٌ فِيهِمْ، أَوْ خُنْثَى مُشْكِلًا، أَوْ وَاضِحًا، أَوْ مُخَنَّثًا، وَهُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا الَّذِي تُشْبِهُ حَرَكَاتُهُ حَرَكَاتِ النِّسَاءِ خَلْقًا وَخُلُقًا، أَوْ مُمَكِّنًا مِنْ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ مُرْتَدًّا، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ‏:‏ وَإِنْ تَابَ أَوْ مُحْرِمًا بِإِذْنٍ مِنْ الْبَائِعِ، أَوْ كَافِرًا لَمْ يُجَاوِرْهُ كُفَّارٌ لِقِلَّةِ الرَّغْبَةِ، فَإِنْ جَاوَرَهُ كُفَّارٌ فَلَيْسَ بِعَيْبٍ، أَوْ كَوْنُ الْأَمَةِ رَتْقَاءَ، أَوْ قَرْنَاءَ، أَوْ مُسْتَحَاضَةً، أَوْ يَتَطَاوَلُ طُهْرُهَا فَوْقَ الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ، أَوْ لَا تَحِيضُ وَهِيَ فِي سِنِّ الْحَيْضِ غَالِبًا بِأَنْ بَلَغَتْ عِشْرِينَ سَنَةً، قَالَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ لِعِلَّةٍ أَوْ حَامِلًا؛ لِأَنَّهُ يَخَافُ مِنْ هَلَاكِهَا بِالْوَضْعِ لَا فِي الْبَهَائِمِ فَإِنَّ الْغَالِبَ فِيهَا السَّلَامَةُ، أَوْ مُعْتَدَّةً وَلَوْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ بِنَحْوِ نَسَبٍ خِلَافًا لِلْجِيلِيِّ فِي الْمُحَرَّمَةِ أَوْ كَافِرَةً كُفْرًا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ كَوَثَنِيَّةٍ، وَاصْطِكَاكِ الْكَعْبَيْنِ، وَسَوَادُ الْأَسْنَانِ أَوْ حُمْرَتُهَا كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ، أَوْ خُضْرَتُهَا، أَوْ زُرْقَتُهَا، أَوْ تَرَاكُمُ الْوَسَخِ الْفَاحِشِ فِي أُصُولِهَا، وَذَهَابُ الْأَشْفَارِ مِنْ الْأَمَةِ، وَكِبَرُ أَحَدِ ثَدْيَيْهَا، وَالْخِيلَانُ الْكَثِيرَةِ بِكَسْرِ الْخَاءِ جَمْعُ خَالٍ، وَهُوَ الشَّامَةُ، وَآثَارُ الشِّجَاجِ‏.‏ قَالَ الرُّويَانِيُّ‏:‏ أَوْ كَوْنُهُ أَعْسَرَ، وَفَصَّلَ ابْنُ الصَّلَاحِ فَقَالَ‏:‏ إنْ كَانَ أَضْبَطَ وَهُوَ الَّذِي يَعْمَلُ بِيَدَيْهِ مَعًا فَلَيْسَ بِعَيْبٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ زِيَادَةٌ فِي الْقُوَّةِ وَإِلَّا فَهُوَ عَيْبٌ، وَلَعَلَّ الرُّويَانِيَّ لَا يُخَالِفُ ذَلِكَ، أَوْ أَشَلَّ، أَوْ أَقْرَعَ، وَهُوَ مَنْ ذَهَبَ شَعْرُ رَأْسِهِ بِآفَةٍ، أَوْ أَصَمَّ وَهُوَ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ، أَوْ أَخْفَشَ وَهُوَ صَغِيرُ الْعَيْنِ ضَعِيفُ الْبَصَرِ خِلْقَةً، وَيُقَالُ‏:‏ هُوَ مَنْ يُبْصِرُ بِاللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ، وَفِي الْغَيْمِ دُونَ الصَّحْوِ، وَكِلَاهُمَا عَيْبٌ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ، أَوْ أَجْهَرَ وَهُوَ مَنْ لَا يُبْصِرُ فِي الشَّمْسِ، أَوْ أَعْشَى وَهُوَ مَنْ يُبْصِرُ بِالنَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ، وَفِي الصَّحْوِ دُونَ الْغَيْمِ، وَالْمَرْأَةُ عَشْوَاءُ، أَوْ أَخْشَمَ وَأَبْكَمَ‏:‏ أَيْ أَخْرَسَ، أَوْ أَرَتَّ لَا يَفْهَمُ كَلَامَهُ غَيْرُهُ، أَوْ فَاقِدَ الذَّوْقِ، أَوْ أُنْمُلَةٍ، أَوْ الظُّفْرِ، أَوْ الشَّعْرِ وَلَوْ عَانَةً، أَوْ فِي رَقَبَتِهِ لَا فِي ذِمَّتِهِ فَقَطْ دَيْنٌ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ مَنْ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ مَالٌ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ فَكَيْفَ يُعَدُّ مِنْ الْعُيُوبِ‏؟‏‏.‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ صُورَتَهُ أَنْ يَبِيعَهُ ثُمَّ يَجْنِي جِنَايَةً تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَإِنَّهَا مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ، أَوْ لَهُ أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ، أَوْ سِنٌّ شَاغِيَةٌ، وَهِيَ بِشِينٍ وَغَيْنٍ مُعْجَمَتَيْنِ، الزَّائِدَةُ الَّتِي تُخَالِفُ نَبْتَتُهَا نَبْتَةَ بَقِيَّةِ الْأَسْنَانِ، أَوْ سِنٌّ مَقْلُوعَةٌ لَا لِكِبَرٍ، أَوْ بِهِ قُرُوحٌ أَوْ أَبْهَقَ، وَالْبَهَقُ بَيَاضٌ يَعْتَرِي الْجِلْدَ يُخَالِفُ لَوْنَهُ وَلَيْسَ مِنْ الْبَرَصِ، فَالْبَرَصُ وَالْجُذَامُ أَوْلَى، أَوْ أَبْيَضَ الشَّعْرِ فِي غَيْرِ سِنِّهِ، وَلَا تَضُرُّ حُمْرَتُهُ، أَوْ مُخَبَّلًا بِالْمُوَحَّدَةِ، وَهُوَ مَنْ فِي عَقْلِهِ خَبَلٌ أَوْ فَسَادٌ، أَوْ أَبْلَهَ، وَهُوَ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ سَلَامَةُ الصَّدْرِ‏.‏ رُوِيَ ‏"‏ إنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْبُلْهُ ‏"‏ أَيْ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا لِقِلَّةِ اهْتِمَامِهِمْ بِهَا، وَهُمْ أَكْيَاسٌ فِي أَمْرِ الْآخِرَةِ، وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ الْأَبْلَهَ عَلَى مَعْنًى لَطِيفٍ، وَهُوَ مَنْ يَعْمَلُ لِأَجْلِ النَّعِيمِ، وَغَيْرُهُ هُوَ الَّذِي يَعْمَلُ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَكْثَرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَهُوَ لَيْسَ بِمَذْمُومٍ، وَلَكِنَّ الْقِسْمَ الثَّانِي أَعْلَى ‏(‏وَجِمَاحُ الدَّابَّةِ‏)‏ بِالْكَسْرِ‏:‏ أَيْ امْتِنَاعُهَا عَلَى رَاكِبِهَا ‏(‏وَعَضُّهَا‏)‏ أَوْ رَمْحُهَا لِنَقْصِ الْقِيمَةِ بِذَلِكَ، وَكَوْنُهَا تَشْرَبُ لَبَنَهَا أَوْ لَبَنَ غَيْرِهَا، أَوْ تَكُونُ بِحَيْثُ يُخْشَى مِنْ رُكُوبِهَا السُّقُوطُ لِخُشُونَةِ مَشْيِهَا، أَوْ سَاقِطَةُ الْأَسْنَانِ لَا لِكِبَرٍ أَوْ قَلِيلَةُ الْأَكْلِ بِخِلَافِ قِلَّةِ الْأَكْلِ فِي الْآدَمِيِّ، وَالْحُمُوضَةُ فِي الْبِطِّيخِ لَا الرُّمَّانِ عَيْبٌ، وَلَا رَدَّ بِكَوْنِ الرَّقِيقِ رَطْبَ الْكَلَامِ وَلَا بِكَوْنِهِ عَقِيمًا، وَلَا بِكَوْنِ الْعَبْدِ عِنِّينًا، وَلَيْسَ عَدَمُ الْخِتَانِ عَيْبًا إلَّا فِي عَبْدٍ كَبِيرٍ خَوْفًا عَلَيْهِ مِنْ الْخِتَانِ بِخِلَافِ الْأَمَةِ الْكَبِيرَةِ؛ لِأَنَّ خِتَانَهَا سَلِيمٌ لَا يُخَافُ عَلَيْهَا مِنْهُ، وَضَبَطَ بَعْضُهُمْ الصَّغِيرَ بِعَدَمِ الْبُلُوغِ‏.‏ وَمِنْ الْعُيُوبِ ظُهُورُ مَكْتُوبٍ بِوَقْفِيَّةِ الْمَبِيعِ وَلَمْ يَثْبُتْ، وَكَذَا شُيُوعُهَا بَيْنَ النَّاسِ، وَشَقُّ أُذُنِ الشَّاةِ مَثَلًا إنْ مَنَعَ الْإِجْزَاءَ فِي الْأُضْحِيَّةِ‏.‏ وَلَمَّا كَانَ لَا مَطْمَعَ فِي اسْتِيفَاءِ الْعُيُوبِ الْمُثْبِتَةِ لِلرَّدِّ ذَكَرَ ضَابِطًا جَامِعًا لَهَا شَامِلًا لِمَا ذَكَرَهُ وَلِمَا لَمْ يَذْكُرْهُ فَقَالَ ‏(‏وَكُلِّ مَا‏)‏ بِالْجَرِّ ‏(‏يَنْقُصُ الْعَيْنَ‏)‏ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْقَافِ بِضَبْطِ الْمُصَنِّفِ أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْقَافِ الْمُشَدَّةِ‏.‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا‏}‏ ‏(‏أَوْ الْقِيمَةَ نَقْصًا يَفُوتُ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ إذَا غَلَبَ فِي جِنْسِ الْمَبِيعِ عَدَمُهُ‏)‏ إذْ الْغَالِبُ فِي الْأَعْيَانِ السَّلَامَةُ، فَبَدَلُ الْمَالِ يَكُونُ فِي مُقَابَلَةِ السَّلِيمِ، فَإِذَا بَانَ الْعَيْبُ وَجَبَ التَّمَكُّنُ مِنْ التَّدَارُكِ، فَقَوْلُهُ‏:‏ يَفُوتُ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ قَيْدٌ فِي نَقْصِ الْعَيْنِ خَاصَّةً لِيَحْتَرِزَ بِهِ عَنْ قَطْعِ أُصْبُعٍ زَائِدَةٍ أَوْ جُزْءٍ يَسِيرٍ مِنْ الْفَخِذِ أَوْ السَّاقِ لَا يُوَرِّثُ شَيْئًا وَلَا يُفَوِّتُ غَرَضًا، فَلَا رَدَّ بِهِ، فَلَوْ ذَكَرَهُ عَقِبَهُ إمَّا بِأَنْ يُقَدِّمَ ذِكْرَ الْقِيمَةِ، أَوْ يَجْعَلَ هَذَا الْقَيْدَ عَقِبَ نَقْصِ الْعَيْنِ قَبْلَ ذِكْرِ الْقِيمَةِ لَكَانَ أَوْلَى‏.‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ إذَا غَلَبَ فِي جِنْسِ الْمَبِيعِ عَدَمُهُ يَرْجِعُ إلَى الْقِيمَةِ وَالْعَيْنِ‏.‏ فَأَمَّا الْقِيمَةُ فَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الثُّيُوبَةِ فِي الْأَمَةِ الْكَبِيرَةِ السِّنِّ‏.‏ قَالَ شَيْخِي‏:‏ وَكَذَا الْخِصَاءُ فِي الثِّيرَانِ وَمَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَكَتَرْكِ الصَّلَاةِ فِي الْأَرِقَّاءِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي الرَّدَّ وَإِنْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ بِذَلِكَ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ هَذَا عَلَى الْأَرِقَّاءِ الْجُلَبِ، وَمَا تَقَدَّمَ عَلَى غَيْرِهِمْ‏.‏

وَأَمَّا فِي الْعَيْنِ فَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ قَلْعِ الْأَسْنَانِ فِي الْكَبِيرِ، قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ قَالَ‏:‏ وَقَدْ جَزَمَ فِي الْمَطْلَبِ بِامْتِنَاعِ الرَّدِّ بِبَيَاضِ الشَّعْرِ فِي الْكَبِيرِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا نَحْنُ فِيهِ‏.‏

المتن‏:‏

سَوَاءٌ قَارَنَ الْعَقْدَ أَمْ حَدَثَ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلَوْ حَدَثَ بَعْدَهُ فَلَا خِيَارَ إلَّا أَنْ يَسْتَنِدَ إلَى سَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ كَقَطْعِهِ بِجِنَايَةٍ سَابِقَةٍ فَيَثْبُتُ الرَّدُّ فِي الْأَصَحِّ، بِخِلَافِ مَوْتِهِ بِمَرَضٍ سَابِقٍ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

فَائِدَةٌ‏:‏ الْعَيْبُ سِتَّةُ أَقْسَامٍ‏:‏ فِي الْبَيْعِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْغُرَّةِ، وَالصَّدَاقِ إذَا لَمْ يُفَارِقْ قَبْلَ الدُّخُولِ مَا مَرَّ، وَفِي الْكَفَّارَةِ مَا ضَرَّ بِالْعَمَلِ إضْرَارًا بَيِّنًا، وَفِي الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ وَالْعَقِيقَةِ مَا نَقَّصَ اللَّحْمَ، وَفِي النِّكَاحِ مَا نَفَّرَ عَنْ الْوَطْءِ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي مَحَلِّهِ، وَفِي الصَّدَاقِ إذَا فَارَقَ قَبْلَ الدُّخُولِ مَا فَاتَ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ سَوَاءٌ أَكَانَ الْغَالِبُ فِي أَمْثَالِهِ عَدَمَهُ أَمْ لَا، وَفِي الْإِجَارَةِ مَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَنْفَعَةِ تَأْثِيرًا يَظْهَرُ بِهِ تَفَاوُتٌ فِي الْأُجْرَةِ‏.‏ قَالَ الدَّمِيرِيُّ‏:‏ وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ عَيْبُ الْمَرْهُونِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَا نَقَصَ الْقِيمَةَ فَقَطْ ‏(‏سَوَاءٌ‏)‏ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ ‏(‏قَارَنَ‏)‏ الْعَيْبُ ‏(‏الْعَقْدَ‏)‏ بِأَنْ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَهُ ‏(‏أَمْ حَدَثَ‏)‏ بَعْدَهُ وَ ‏(‏قَبْلَ الْقَبْضِ‏)‏ لِلْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ حِينَئِذٍ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ، فَكَذَا جُزْؤُهُ وَلَوْ حَدَثَ قَبْلَ الْقَبْضِ بِسَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ رَضِيَ بِهِ الْمُشْتَرِي، كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِكْرًا مُزَوَّجَةً عَالِمًا فَأَزَالَ الزَّوْجُ بَكَارَتَهَا‏.‏ قَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا، وَالْأَقْرَبُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الرَّدَّ لِرِضَاهُ بِسَبَبِهِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ إنَّ هَذِهِ سَتَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنْ يَسْتَنِدَ إلَى سَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ‏.‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الَّذِي يَأْتِي فِي كَلَامِهِ أَنَّ الْعَيْبَ إذَا حَدَثَ بَعْدَ الْقَبْضِ بِسَبَبٍ سَابِقٍ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ، وَاَلَّذِي قَالَهُ السُّبْكِيُّ‏:‏ إنَّهُ لَوْ حَدَثَ الْعَيْبُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِسَبَبٍ سَابِقٍ رَضِيَ بِهِ الْمُشْتَرِي فَعَلَى كَلَامِ السُّبْكِيّ تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ‏(‏وَلَوْ حَدَثَ‏)‏ الْعَيْبُ ‏(‏بَعْدَهُ‏)‏ أَيْ الْقَبْضِ ‏(‏فَلَا خِيَارَ‏)‏ فِي الرَّدِّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَبْضِ صَارَ مِنْ ضَمَانِهِ، فَكَذَا جُزْؤُهُ وَصِفَتُهُ‏.‏ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏:‏ وَمَحَلُّهُ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ‏.‏ أَمَّا قَبْلَهُ فَيُبْنَى عَلَى مَا إذَا تَلِفَ حِينَئِذٍ هَلْ يَنْفَسِخُ، وَالْأَرْجَحُ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ إنْ قُلْنَا‏:‏ الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ انْفَسَخَ وَإِلَّا فَلَا، فَإِنْ قُلْنَا‏:‏ يَنْفَسِخُ‏:‏ أَيْ وَهُوَ الرَّاجِحُ فَحُدُوثُهُ كَوُجُودِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ ‏(‏إلَّا أَنْ يَسْتَنِدَ إلَى سَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ‏)‏ عَلَى الْقَبْضِ أَوْ الْعَقْدِ وَيَجْهَلُهُ الْمُشْتَرِي ‏(‏كَقَطْعِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَبِيعِ، الْعَبْدِ، أَوْ الْأَمَةِ ‏(‏بِجِنَايَةٍ‏)‏ أَوْ سَرِقَةٍ ‏(‏سَابِقَةٍ‏)‏ عَلَى الْقَبْضِ ‏(‏فَيَثْبُتُ الرَّدُّ‏)‏ بِذَلِكَ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏؛ لِأَنَّ قَطْعَهُ لِتَقَدُّمِ سَبَبِهِ كَالْمُتَقَدِّمِ، وَفِي مَعْنَى الْقَطْعِ زَوَالُ الْبَكَارَةِ وَاسْتِيفَاءُ الْحَدِّ بِالْجَلْدِ‏.‏ وَالثَّانِي لَا يَثْبُتُ بِهِ الرَّدُّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَسَلَّطَ عَلَى التَّصَرُّفِ بِالْقَبْضِ فَيَدْخُلُ الْمَبِيعُ فِي ضَمَانِهِ، وَعَلَى هَذَا يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مُسْتَحِقَّ الْقَطْعِ وَغَيْرَ مُسْتَحِقِّهِ مِنْ الثَّمَنِ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِهِ فَلَا رَدَّ لَهُ بِهِ جَزْمًا وَلَا أَرْشَ لِدُخُولِهِ فِي الْعَقْدِ عَلَى بَصِيرَةٍ ‏(‏بِخِلَافِ مَوْتِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَبِيعِ ‏(‏بِمَرَضٍ سَابِقٍ‏)‏ عَلَى الْقَبْضِ جَهِلَهُ الْمُشْتَرِي فَلَا يَثْبُتُ بِهِ لَازِمُ الرَّدِّ الْمُتَعَذِّرِ مِنْ اسْتِرْجَاعِ الثَّمَنِ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ الْمَقْطُوعِ بِهِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْمَذْهَبِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ يَزْدَادُ شَيْئًا فَشَيْئًا إلَى الْمَوْتِ فَلَمْ يَحْصُلْ بِالسَّابِقِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ يَثْبُتُ اسْتِرْجَاعُ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ السَّابِقَ أَفْضَى إلَيْهِ فَكَأَنَّهُ سَبَقَ فَيَنْفَسِخُ بِهِ الْبَيْعُ قُبَيْلَ الْمَوْتِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لِلْمُشْتَرِي أَرْشُ الْمَرَضِ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَةِ الْمَبِيعِ صَحِيحًا وَمَرِيضًا مِنْ الثَّمَنِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْمَرَضِ الْمَخُوفِ كَمَا فِي التَّذْنِيبِ وَغَيْرِهِ‏.‏ أَمَّا غَيْرُهُ كَالْحُمَّى الْيَسِيرَةِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهَا الْمُشْتَرِي، فَإِنْ زَادَتْ فِي يَدِهِ وَمَاتَ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ قَطْعًا لِمَوْتِهِ بِمَا حَدَثَ فِي يَدِهِ، وَالْجِرَاحَةُ السَّارِيَةُ كَالْمَرَضِ، وَكَذَا الْحَامِلُ إذَا مَاتَتْ مِنْ الطَّلْقِ، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِالْمَرَضِ فَلَا شَيْءَ لَهُ جَزْمًا‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ قُتِلَ بِرِدَّةٍ سَابِقَةٍ ضَمِنَهُ الْبَائِعُ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ قُتِلَ‏)‏ الْمَبِيعُ ‏(‏بِرِدَّةٍ‏)‏ أَوْ مُحَارَبَةٍ أَوْ جِنَايَةٍ تُوجِبُ قِصَاصًا ‏(‏سَابِقَةٍ‏)‏ عَلَى الْقَبْضِ جَهِلَهَا الْمُشْتَرِي ‏(‏ضَمِنَهُ الْبَائِعُ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ لِتَقَدُّمِ سَبَبِهِ كَالْمُتَقَدِّمِ فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فِيهِ قُبَيْلَ الْقَتْلِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ لَا يَضْمَنُهُ الْبَائِعُ، وَلَكِنَّ تَعَلُّقَ الْقَتْلِ بِهِ عَيْبٌ يَثْبُتُ بِهِ الْأَرْشُ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مُسْتَحِقَّ الْقَتْلِ وَغَيْرَ مُسْتَحِقِّهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَيَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مُؤْنَةُ التَّجْهِيزِ وَالدَّفْنِ، فَهِيَ عَلَى الْأَصَحِّ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْأَوْلَى وَعَلَى الْبَائِعِ وُجُوبًا فِي الثَّانِيَةِ، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِالْحَالِ فَلَا شَيْءَ لَهُ جَزْمًا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ‏:‏ قُتِلَ بِمُوجِبٍ سَابِقٍ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا زِدْتُهُ، وَالْقَتْلُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ تَارِكُ الصَّلَاةِ لَمْ يُقْتَلْ بِمُوجِبٍ سَابِقٍ، بَلْ بِتَصْمِيمِهِ عَلَى تَرْكِ الْقَضَاءِ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ التَّرْكَ مُوجِبٌ لِلْقَتْلِ، وَالتَّصْمِيمُ عَلَى تَرْكِ الْقَضَاءِ مُوجِبٌ لِلِاسْتِيفَاءِ كَمَا فِي الرِّدَّةِ، فَإِنَّهَا السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلْقَتْلِ وَبَقَاؤُهُ عَلَيْهَا مُوجِبٌ لِلِاسْتِيفَاءِ‏.‏ قَالَ الشَّارِحُ‏:‏ وَلَوْ أَخَّرَ عِبَارَتَهُ الْأُولَى، وَهِيَ قَوْلُهُ‏:‏ بِخِلَافِ مَوْتِهِ إلَخْ عَنْ الثَّانِيَةِ لَاسْتَغْنَى عَنْ التَّأْوِيلِ السَّابِقِ‏:‏ أَيْ‏:‏ وَهُوَ قَوْلُنَا تَبَعًا لَهُ لَازِمُ الرَّدِّ، إذْ لَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الرَّدِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَذَّرَ بِمَوْتِهِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ صِحَّةُ بَيْعِ الْمُرْتَدِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَكَذَا الْمُتَحَتِّمُ قَتْلُهُ بِالْمُحَارَبَةِ وَلَا قِيمَةَ عَلَى مُتْلِفِهِمَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي لِاسْتِحْقَاقِهِمَا الْقَتْلَ، وَالثَّانِيَةُ‏:‏ نَقَلَهَا الشَّيْخَانِ عَنْ الْقَفَّالِ، وَلَعَلَّهُ بَنَاهَا عَلَى أَنَّ الْمُغَلَّبَ فِي قَتْلِ الْمُحَارِبِ مَعْنَى الْحَدِّ، لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ مَعْنَى الْقِصَاصِ، وَأَنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ غَيْرُ الْإِمَامِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَزِمَهُ دِيَتُهُ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُ قَاتِلَ الْعَبْدِ الْمُحَارِبِ قِيمَتُهُ لِمَالِكِهِ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَنْحَصِرُ فِيهِ وَفِي الْمُرْتَدِّ بَلْ يَجْرِي فِي غَيْرِهِمَا كَتَارِكِ الصَّلَاةِ وَالصَّائِلِ وَالزَّانِي الْمُحْصَنِ بِأَنْ زَنَى ذِمِّيٌّ ثُمَّ الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ اُسْتُرِقَّ فَيَصِحُّ بَيْعُهُمْ وَلَا قِيمَةَ عَلَى مُتْلِفِهِمْ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ بَاعَ بِشَرْطِ بَرَاءَتِهِ مِنْ الْعُيُوبِ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَبْرَأُ عَنْ كُلِّ عَيْبٍ بَاطِنٍ بِالْحَيَوَانِ لَمْ يَعْلَمْهُ دُونَ غَيْرِهِ، وَلَهُ مَعَ هَذَا الشَّرْطِ الرَّدُّ بِعَيْبٍ حَدَثَ قَبْلَ الْقَبْضِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْأَمْرِ الثَّانِي وَهُوَ مَا يُظَنُّ حُصُولُهُ بِشَرْطٍ فَقَالَ‏:‏ ‏(‏وَلَوْ بَاعَ‏)‏ حَيَوَانًا أَوْ غَيْرَهُ ‏(‏بِشَرْطِ بَرَاءَتِهِ مِنْ الْعُيُوبِ‏)‏ فِي الْمَبِيعِ أَوْ قَالَ‏:‏ بِعْتُكَ عَلَى أَنْ لَا تَرُدَّ بِعَيْبٍ ‏(‏فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَبْرَأُ عَنْ عَيْبٍ بَاطِنٍ بِالْحَيَوَانِ لَمْ يَعْلَمْهُ‏)‏ الْبَائِعُ ‏(‏دُونَ غَيْرِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعَيْبِ الْمَذْكُورِ فَلَا يَبْرَأُ عَنْ عَيْبٍ بِغَيْرِ الْحَيَوَانِ كَالثِّيَابِ وَالْعَقَارِ مُطْلَقًا، وَلَا عَنْ عَيْبٍ ظَاهِرٍ بِالْحَيَوَانِ عَلِمَهُ أَمْ لَا، وَلَا عَنْ عَيْبٍ بَاطِنٍ بِالْحَيَوَانِ عَلِمَهُ، وَالْمُرَادُ بِالْبَاطِنِ كَمَا قَالَ شَيْخِي مَا لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ غَالِبًا‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ يَبْرَأُ عَنْ كُلِّ عَيْبٍ عَمَلًا بِالشَّرْطِ‏.‏ وَالثَّالِثُ‏:‏ لَا يَبْرَأُ عَنْ عَيْبٍ فَالْجَهْلُ بِالْمُبَرَّأِ مِنْهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَإِنَّمَا خَرَجَ مِنْهُ عَلَى الْأَوَّلِ صُورَةٌ مِنْ الْحَيَوَانِ لِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ ‏"‏ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا بَاعَ غُلَامًا بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَبَاعَهُ بِالْبَرَاءَةِ، فَقَالَ الَّذِي ابْتَاعَهُ وَهُوَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ‏:‏ بِالْعَبْدِ دَاءٌ لَمْ تُسَمِّهِ لِي، فَاخْتَصَمَا إلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، فَقَضَى عَلَى ابْنِ عُمَرَ أَنْ يَحْلِفَ لَقَدْ بَاعَهُ الْعَبْدَ وَمَا بِهِ دَاءٌ يَعْلَمُهُ، فَأَبَى عَبْدُ اللَّهِ أَنْ يَحْلِفَ وَارْتَجَعَ الْعَبْدَ فَبَاعَهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ ‏"‏ وَفِي الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ كَمَا أَوْرَدَهُ الرَّافِعِيُّ، وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ‏:‏ تَرَكْتُ الْيَمِينَ لِلَّهِ فَعَوَّضَنِي اللَّهُ عَنْهَا، دَلَّ قَضَاءُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْبَرَاءَةِ فِي صُورَةِ الْحَيَوَانِ الْمَذْكُورَةِ، وَقَدْ وَافَقَ اجْتِهَادُهُ فِيهَا اجْتِهَادَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ الْحَيَوَانُ يَغْتَذِي فِي الصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ وَتُحَوَّلُ طِبَاعُهُ فَقَدْ لَا يَنْفَكُّ عَنْ عَيْبٍ خَفِيٍّ أَوْ ظَاهِرٍ‏:‏ أَيْ فَيَحْتَاجُ الْبَائِعُ فِيهِ إلَى شَرْطِ الْبَرَاءَةِ لِيَثِقَ بِلُزُومِ الْبَيْعِ فِيمَا لَا يَعْلَمُهُ مِنْ الْخَفِيِّ دُونَ مَا يَعْلَمُهُ مُطْلَقًا فِي حَيَوَانٍ أَوْ غَيْرِهِ لِتَلْبِيسِهِ فِيهِ‏.‏ وَمَا لَمْ يَعْلَمْهُ مِنْ الظَّاهِرِ فِيهِمَا لِنُدْرَةِ خَفَائِهِ عَلَيْهِ، أَوْ مِنْ الْخَفِيِّ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ إذْ الْغَالِبُ عَدَمُ تَغَيُّرِهِ بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَا فَرْقَ فِي الْحَيَوَانِ بَيْنَ الْعَبْدِ الَّذِي يُخْبِرُ عَنْ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ‏.‏ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ‏:‏ عَنْ عَيْبٍ بَاطِنٍ‏:‏ لَفْظَةُ بَاطِنٍ سَاقِطَةٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ وَالصَّوَابُ إثْبَاتُهَا لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ عَنْ عَيْبٍ ظَاهِرٍ‏.‏ قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ‏:‏ وَقَدْ رَأَيْتُ لَفْظَةَ بَاطِنٍ مُخَرَّجَةً عَلَى حَاشِيَةِ أَصْلِ الْمُصَنِّفِ لَكِنْ لَا أَدْرِي هَلْ هِيَ بِخَطِّهِ أَمْ لَا‏؟‏ وَلَيْسَتْ فِي الْمُحَرَّرِ ا هـ‏.‏

وَفِي الدَّقَائِقِ لَفْظَةُ بَاطِنٍ مِمَّا زَادَهُ الْمِنْهَاجُ وَلَا بُدَّ مِنْهَا عَلَى الصَّحِيحِ ‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُشْتَرِي ‏(‏مَعَ هَذَا الشَّرْطِ الرَّدُّ بِعَيْبٍ حَدَثَ‏)‏ بَعْدَ الْعَقْدِ وَ ‏(‏قَبْلَ الْقَبْضِ‏)‏ لِانْصِرَافِ الشَّرْطِ إلَى الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْقِدَمِ فَوَجْهَانِ فِي الْحَاوِي، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي فِي قَوْلِهِ‏:‏ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قِدَمِ الْعَيْبِ أَنَّ الْبَائِعَ هُوَ الْمُصَدَّقُ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ عَمَّا يَحْدُثُ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ عَمَّا يَحْدُثُ‏)‏ مِنْ الْعُيُوبِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَوْ مَعَ الْمَوْجُودِ مِنْهَا ‏(‏لَمْ يَصِحَّ‏)‏ الشَّرْطُ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِلشَّيْءِ قَبْلَ ثُبُوتِهِ فَلَمْ يَسْقُطْ كَمَا لَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ ثَمَنِ مَا يَبِيعُهُ لَهُ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ يَصِحُّ بِطَرِيقِ التَّبَعِ، فَإِنْ انْفَرَدَ الْحَادِثُ فَهُوَ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَلَوْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ عَنْ عَيْبٍ عَيَّنَهُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُعَايَنُ كَالْبَرَصِ فَإِنْ أَرَاهُ قَدْرَهُ وَمَوْضِعَهُ بَرِئَ مِنْهُ قَطْعًا وَإِلَّا فَهُوَ كَشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مُطْلَقًا فَلَا يَبْرَأُ مِنْهُ عَلَى الْأَظْهَرِ لِتَفَاوُتِ الْأَغْرَاضِ بِاخْتِلَافِ قَدْرِهِ وَمَوْضِعِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُعَايَنُ كَالزِّنَا أَوْ السَّرِقَةِ أَوْ الْإِبَاقِ بَرِئَ مِنْهُ قَطْعًا؛ لِأَنَّ ذِكْرَهَا إعْلَامٌ بِهَا‏.‏ قَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ وَبَعْضُ الْوَرَّاقِينَ فِي زَمَانِنَا يَجْعَلُ بَدَلَ شَرْطِ الْبَرَاءَةِ‏:‏ أَعْلَمَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ بِأَنَّ بِالْمَبِيعِ جَمِيعَ الْعُيُوبِ وَرَضِيَ بِهِ، وَهَذَا جَهْلٌ؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ وَلَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ التَّسْمِيَةَ لَا تَكْفِي فِيمَا يُمْكِنُ مُعَايَنَتُهُ حَتَّى يُرِيَهُ إيَّاهُ‏.‏

وَأَمَّا مَا لَا يُمْكِنُ مُعَايَنَتُهُ فَذِكْرُهُ مُجْمَلًا بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ كَذِكْرِ مَا يُمْكِنُ مُعَايَنَتُهُ بِالتَّسْمِيَةِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ فَلَا يُفِيدُ، وَلَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ إلْزَامُ الْمُشْتَرِي بِمُقْتَضَى هَذَا الْإِقْرَارِ لِلْعِلْمِ بِكَذِبِهِ وَبُطْلَانِهِ، وَإِذَا وَقَعَ ذَلِكَ يَكُونُ كَشَرْطِ الْبَرَاءَةِ، وَلَوْ شَرَطَ أَنَّ الْأَمَةَ بِكْرٌ أَوْ صَغِيرَةٌ أَوْ مُسْلِمَةٌ فَبَانَ خِلَافُ ذَلِكَ فَلَهُ الرَّدُّ لِخُلْفِ الشَّرْطِ، وَكَذَا لَوْ شَرَطَ كَوْنَ الرَّقِيقِ الْمَبِيعِ كَاتِبًا أَوْ خَبَّازًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْأَوْصَافِ الْمَقْصُودَةِ فَبَانَ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِفَوَاتِ فَضِيلَةِ مَا شَرَطَهُ، وَلَوْ شَرَطَ أَنَّهَا ثَيِّبٌ فَخَرَجَتْ بِكْرًا لَمْ تُرَدَّ لِأَنَّهَا أَكْمَلُ مِمَّا شَرَطَ، وَقِيلَ‏:‏ تُرَدُّ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ فِي ذَلِكَ غَرَضٌ كَضَعْفِ آلَتِهِ أَوْ كِبَرِ سِنِّهِ، وَقَدْ فَاتَ عَلَيْهِ، وَلَوْ شَرَطَ أَنَّ الرَّقِيقَ كَافِرٌ أَوْ فَحْلٌ أَوْ مَخْتُونٌ أَوْ خَصِيٌّ فَخَرَجَ مُسْلِمًا فِي الْأُولَى أَوْ خَصِيًّا فِي الثَّانِيَةِ أَوْ أَقْلَفَ فِي الثَّالِثَةِ، أَوْ فَحْلًا فِي الرَّابِعَةِ ثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِذَلِكَ، إذْ فِي الْكَافِرِ مَثَلًا فَوَاتُ كَثْرَةِ الرَّاغِبِينَ إذْ يَشْتَرِيهِ الْكَافِرُ وَالْمُسْلِمُ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ، وَالْخَصِيُّ بِفَتْحِ الْخَاءِ مَنْ قُطِعَ أُنْثَيَاهُ أَوْ سُلَّتَا وَبَقِيَ ذَكَرُهُ، فَلَوْ شَرَطَ كَوْنَهُ أَقْلَفَ فَبَانَ مَخْتُونًا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الرَّدُّ إذْ لَمْ يَفُتْ بِذَلِكَ غَرَضٌ مَقْصُودٌ إلَّا إنْ كَانَ الْأَقْلَفُ مَجُوسِيًّا بَيْنَ مَجُوسٍ يَرْغَبُونَ فِيهِ بِزِيَادَةٍ فَيَثْبُتُ لَهُ بِذَلِكَ الرَّدُّ، وَلَوْ شَرَطَ كَوْنَهُ فَاسِقًا أَوْ خَائِنًا أَوْ أُمِّيًّا أَوْ أَحْمَقَ أَوْ نَاقِصَ الْخِلْقَةِ فَبَانَ خِلَافُهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الرَّدُّ؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِمَّا شَرَطَ، وَلَوْ شَرَطَ كَوْنَ الْأَمَةِ يَهُودِيَّةً أَوْ نَصْرَانِيَّةً فَبَانَتْ مَجُوسِيَّةً أَوْ نَحْوَهَا ثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ لِفَوَاتِ حِلِّ الْوَطْءِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَطَ كَوْنُهَا يَهُودِيَّةً فَبَانَتْ نَصْرَانِيَّةً أَوْ بِالْعَكْسِ، وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ قُطْنٌ فَبَانَ كَتَّانًا لَمْ يَصِحَّ الشِّرَاءُ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ أَعْتَقَهُ ثُمَّ عَلِمَ الْعَيْبَ رَجَعَ بِالْأَرْشِ، وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ ثَمَنِهِ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ نِسْبَةُ مَا نَقَصَ الْعَيْبُ مِنْ الْقِيمَةِ لَوْ كَانَ سَلِيمًا وَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ أَقَلِّ قِيَمِهِ مِنْ يَوْمِ الْبَيْعِ إلَى الْقَبْضِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ‏)‏ غَيْرُ الرِّبَوِيِّ الْمَبِيعُ بِجِنْسِهِ ‏(‏عِنْدَ الْمُشْتَرِي‏)‏ سَوَاءٌ أَكَانَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَمْ بِغَيْرِهَا كَأَنْ أَكَلَ الطَّعَامَ ‏(‏أَوْ‏)‏ خَرَجَ عَنْ قَبُولِ النَّقْلِ كَأَنْ ‏(‏أَعْتَقَهُ‏)‏ وَالْعَبْدُ مُسْلِمٌ، أَوْ وَقَفَهُ وَلَوْ كَافِرًا، أَوْ اسْتَوْلَدَ الْأَمَةَ، أَوْ جَعَلَ الشَّاةَ أُضْحِيَّةً ‏(‏ثُمَّ عَلِمَ الْعَيْبَ‏)‏ بِهِ ‏(‏رَجَعَ بِالْأَرْشِ‏)‏ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ بِفَوَاتِ الْمَبِيعِ حِسًّا أَوْ شَرْعًا، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ كَافِرًا‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَيْأَسْ مِنْ رَدِّهِ لِإِمْكَانِ لُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَيُسْتَرَقُّ ثُمَّ يَعُودُ إلَى الْمِلْكِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَيَجِبُ حَمْلُ إطْلَاقِهِمْ عَلَى هَذَا‏.‏ ا هـ‏.‏

وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَ الْمُعْتَقُ كَافِرًا أَيْضًا، إذْ عَتِيقُ الْمُسْلِمِ لَا يُسْتَرَقُّ، وَمَعَ هَذَا فَهُوَ بَعِيدٌ، فَيَنْبَغِي إطْلَاقُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَلَوْ اشْتَرَى مَعِيبًا جَاهِلًا بِعَيْبِهِ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، أَوْ بِشَرْطِ الْعِتْقِ فَأَعْتَقَهُ رَجَعَ بِأَرْشِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَإِنْ كَانَ الْعِتْقُ قُرْبَةً فَبَذَلَ الثَّمَنَ وَإِنَّمَا كَانَ فِي مُقَابَلَةِ مَا ظَنَّهُ مِنْ سَلَامَةِ الْمَبِيعِ، فَإِذَا فَاتَ مِنْهُ جُزْءٌ صَارَ مَا قَصَدَ عِتْقَهُ مُقَابَلًا بِبَعْضِ الثَّمَنِ فَرَجَعَ فِي الْبَاقِي، وَمَسْأَلَةُ الْقَرِيبِ، أَوْ مَنْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ لَيْسَتْ دَاخِلَةً فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَإِنَّ الْمَوْجُودَ إنَّمَا هُوَ الْعِتْقُ لَا الْإِعْتَاقُ‏.‏ وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي عَلَى كَذَا فَفَعَلَ ثُمَّ ظَهَرَ مَعِيبًا وَجَبَ الْأَرْشُ وَاسْتَمَرَّ الْعِتْقُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ فِي الْكَفَّارَةِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَيُجْزِئُ عَنْ الْكَفَّارَةِ إنْ لَمْ يَمْنَعْ الْعَيْبُ الْإِجْزَاءَ‏.‏ أَمَّا الرِّبَوِيُّ الْمَذْكُورُ كَذَهَبٍ بِيعَ بِوَزْنِهِ ذَهَبًا فَبَانَ مَعِيبًا بَعْدَ تَلَفِهِ فَلَا أَرْشَ فِيهِ، بَلْ يُفْسَخُ الْبَيْعُ، وَيَغْرَمُ الْبَدَلَ، وَيَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ‏.‏ وَإِلَّا لَنَقَصَ الثَّمَنُ فَيَصِيرُ الْبَاقِي مِنْهُ مُقَابَلًا بِأَكْثَرَ مِنْهُ، وَذَلِكَ رِبًا إنْ وَرَدَ عَلَى الْعَيْنِ، فَإِنْ وَرَدَ عَلَى الذِّمَّةِ ثُمَّ عَيَّنَ غَرِمَ بَدَلَ التَّالِفِ، وَاسْتَبْدَلَ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ وَإِنْ فَارَقَ مَجْلِسَ الْعَقْدِ، وَهَلْ يَمْتَنِعُ الرَّدُّ عَلَى بَائِعِ الصَّيْدِ إذَا أَحْرَمَ؛ لِأَنَّ رَدَّهُ إتْلَافٌ عَلَيْهِ‏؟‏‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ فِيهِ نَظَرٌ‏.‏ ا هـ‏.‏

وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ لَهُ الرَّدَّ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ مَنْسُوبٌ إلَى تَقْصِيرٍ فِي الْجُمْلَةِ‏.‏ وَلَوْ وَجَدَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ عَيْبًا بَعْدَ تَلَفِهِ عِنْدَهُ‏.‏ فَإِنْ كَانَ مَعِيبًا نَقَصَ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ بِقَدْرِ نَقْصِ الْعَيْبِ مِنْ قِيمَةِ رَأْسِ الْمَالِ، أَوْ فِي الذِّمَّةِ وَعُيِّنَ غَرِمَ بَدَلَ التَّالِفِ وَاسْتَبْدَلَ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ، وَإِنْ فَارَقَ مَجْلِسَ الْعَقْدِ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ الْأَرْشُ ‏(‏جُزْءٌ مِنْ ثَمَنِهِ‏)‏ أَيْ الْمَبِيعِ ‏(‏نِسْبَتُهُ إلَيْهِ‏)‏ أَيْ نِسْبَةُ الْجُزْءِ إلَى الثَّمَنِ ‏(‏نِسْبَةُ‏)‏ أَيْ مِثْلُ نِسْبَةِ ‏(‏مَا نَقَصَ الْعَيْبُ مِنْ الْقِيمَةِ لَوْ كَانَ‏)‏ الْمَبِيعُ ‏(‏سَلِيمًا‏)‏ إلَيْهَا وَلَوْ ذَكَرَ هَذِهِ اللَّفْظَةَ، وَقَالَ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ إلَى تَمَامِ قِيمَةِ السَّلِيمِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ النِّسْبَةَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ مَنْسُوبٍ وَمَنْسُوبٍ إلَيْهِ، وَالنِّسْبَةُ هُنَا مَذْكُورَةٌ مَرَّتَيْنِ‏.‏ فَالْأُولَى‏:‏ وَهِيَ النِّسْبَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْجُزْءِ الَّذِي هُوَ الْأَرْشُ‏.‏ وَقَدْ ذَكَرَ فِيهَا الْأَمْرَيْنِ‏.‏

وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَذَكَرَ مَعَهَا الْمَنْسُوبَ خَاصَّةً‏:‏ وَهُوَ الْمِقْدَارُ الَّذِي نَقَصَهُ الْعَيْبُ مِنْ الْقِيمَةِ، فَيُقَالُ‏:‏ نَأْخُذُ نِسْبَةَ هَذَا الْمِقْدَارِ مِنْ تَمَامِ الْقِيمَةِ، وَلَكِنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ لِلْعِلْمِ بِهِ، فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ بِلَا عَيْبٍ مِائَةً وَبِهِ تِسْعِينَ فَنِسْبَةُ النَّقْصِ إلَى قِيمَةٍ عُشْرٌ، فَالْأَرْشُ عُشْرُ الثَّمَنِ، وَإِنَّمَا كَانَ الرُّجُوعُ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَضْمُونٌ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ، فَيَكُونُ جُزْؤُهُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِجُزْءِ الثَّمَنِ، فَإِنْ كَانَ قَبَضَ رَدَّ جُزْءَهُ، وَإِلَّا سَقَطَ عَنْ الْمُشْتَرِي بِطَلَبِهِ، وَقِيلَ بِلَا طَلَبٍ ‏(‏وَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ أَقَلِّ قِيَمِهِ‏)‏ أَيْ الْمَبِيعِ ‏(‏مِنْ يَوْمِ‏)‏ أَيْ وَقْتِ ‏(‏الْبَيْعِ إلَى‏)‏ وَقْتِ ‏(‏الْقَبْضِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ إنْ كَانَتْ وَقْتَ الْبَيْعِ أَقَلَّ فَالزِّيَادَةُ حَدَثَتْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا تَدْخُلُ فِي التَّقْوِيمِ وَإِنْ كَانَتْ وَقْتَ الْقَبْضِ أَوْ بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ أَقَلَّ فَمَا نَقَصَ كَانَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ، وَالزِّيَادَةُ فِي الثَّانِيَةِ حَدَثَتْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا تَدْخُلُ فِي التَّقْوِيمِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ اعْتِبَارُ قِيمَةِ وَقْتِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ مُقَابَلَةِ الثَّمَنِ بِالْمَبِيعِ‏.‏ وَالثَّالِثُ‏:‏ قِيمَةُ وَقْتِ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ دُخُولِ الْمَبِيعِ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَقَلَّ قِيَمِهِ‏.‏ قَالَ فِي الدَّقَائِقِ‏:‏ وَهُوَ جَمْعُ قِيمَةٍ، وَعَلَى هَذَا يُقْرَأُ بِفَتْحِ الْيَاءِ، وَبِذَلِكَ ضَبَطَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَصْلِهِ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ إنَّهُ أَصْوَبُ مِنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ‏:‏ أَقَلُّ قِيمَتَيْ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ لِاعْتِبَارِهِ الْوَسَطَ‏:‏ أَيْ بَيْنَ قِيمَتَيْ الْيَوْمَيْنِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَمَا فِي الْكِتَابِ غَرِيبٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحْكِيًّا فِي أُصُولِهِ الْمَبْسُوطَةِ وَجْهًا فَضْلًا عَنْ اخْتِيَارِهِ؛ وَلِأَنَّ النُّقْصَانَ الْحَاصِلَ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا زَالَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فَكَيْفَ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْبَائِعِ‏؟‏‏.‏ ا هـ‏.‏

وَعَبَّرَ بِالْأَصَحِّ دُونَ الْأَظْهَرِ لِيُوَافِقَ الطَّرِيقَةَ الرَّاجِحَةَ وَإِنْ لَمْ يُشْعِرْ بِهَا‏.‏ وَلَوْ عَبَّرَ بِالْمَذْهَبِ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ هَذِهِ أَقْوَالٌ مَحْكِيَّةٌ فِي طَرِيقَةٍ فِيمَا عَدَا مَا بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ، وَالطَّرِيقَةُ الرَّاجِحَةُ الْقَطْعُ بِاعْتِبَارِ أَقَلِّ قِيمَتَيْ وَقْتِ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ، وَإِذَا اُعْتُبِرَتْ قِيَمُ الْمَبِيعِ‏.‏ فَإِمَّا أَنْ تَتَّحِدَ قِيمَتَاهُ سَلِيمًا مِائَةً وَقِيمَتُهُ مَعِيبًا وَقْتَ الْعَقْدِ ثَمَانِينَ وَوَقْتَ الْقَبْضِ تِسْعِينَ أَوْ وَقْتَ الْقَبْضِ ثَمَانِينَ فَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ قِيمَتَيْهِ سَلِيمًا وَأَقَلِّ قِيمَتَيْهِ مَعِيبًا عِشْرُونَ‏:‏ وَهِيَ خُمْسُ قِيمَتِهِ سَلِيمًا فَيَرْجِعُ بِخُمْسِ الثَّمَنِ، وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتَاهُ مَعِيبًا ثَمَانِينَ وَسَلِيمًا وَقْتَ الْعَقْدِ تِسْعِينَ وَوَقْتَ الْقَبْضِ مِائَةً أَوْ وَقْتَ الْعَقْدِ مِائَةً وَوَقْتَ الْقَبْضِ تِسْعِينَ فَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ قِيمَتِهِ مَعِيبًا، وَأَقَلِّ قِيمَتَيْهِ سَلِيمًا عَشَرَةٌ‏:‏ وَهِيَ تُسْعُ أَقَلِّ قِيمَتَيْهِ سَلِيمًا فَيَرْجِعُ بِتُسْعِ الثَّمَنِ‏.‏ وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ وَقْتَ الْعَقْدِ سَلِيمًا مِائَةً وَمَعِيبًا ثَمَانِينَ وَوَقْتَ الْقَبْضِ سَلِيمًا مِائَةً وَعِشْرِينَ وَمَعِيبًا تِسْعِينَ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ قِيمَتُهُ وَقْتَ الْعَقْدِ سَلِيمًا مِائَةً وَمَعِيبًا تِسْعِينَ وَوَقْتَ الْقَبْضِ سَلِيمًا مِائَةً وَعِشْرِينَ وَمَعِيبًا ثَمَانِينَ أَوْ بِالْعَكْسِ، فَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ أَقَلِّ قِيمَتَيْهِ سَلِيمًا وَأَقَلِّ قِيمَتَيْهِ مَعِيبًا عِشْرُونَ‏:‏ وَهِيَ خُمْسُ أَقَلِّ قِيمَتَيْهِ سَلِيمًا فَيَرْجِعُ بِخُمْسِ الثَّمَنِ، وَإِذَا نَظَرْتَ إلَى قِيمَتِهِ فِيمَا بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ أَيْضًا زَادَتْ الْأَقْسَامُ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ تَلِفَ الثَّمَنُ دُونَ الْمَبِيعِ رَدَّهُ وَأَخَذَ مِثْلَ الثَّمَنِ أَوْ قِيمَتَهُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ تَلِفَ الثَّمَنُ‏)‏ الْمَقْبُوضُ حِسًّا كَأَنْ تَلِفَ أَوْ شَرْعًا كَأَنْ أَعْتَقَهُ أَوْ كَاتَبَهُ أَوْ وَقَفَهُ أَوْ اسْتَوْلَدَ الْأَمَةَ، أَوْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ إلَى غَيْرِهِ أَوْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ كَرَهْنٍ ‏(‏دُونَ الْمَبِيعِ‏)‏ الْمَقْبُوضِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ وَأَرَادَ رَدَّهُ بِهِ ‏(‏رَدَّهُ‏)‏ أَيْ الْمَبِيعَ الْمُشْتَرِي لِوُجُودِهِ خَالِيًا عَنْ الْمَوَانِعِ ‏(‏وَأَخَذَ مِثْلَ الثَّمَنِ‏)‏ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا ‏(‏أَوْ قِيمَتَهُ‏)‏ إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَاقِيًا لَاسْتَحَقَّهُ، فَإِذَا تَلِفَ ضَمِنَهُ بِذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى غَيْرِهِ، وَيُعْتَبَرُ أَقَلُّ قِيَمِهِ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ إلَى وَقْتِ الْقَبْضِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَهُوَ يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُمَا فِي الْأَرْشُ، لَكِنَّهُ يُوَافِقُ مَا فِي الْكِتَابِ هُنَاكَ‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَالصَّوَابُ التَّسْوِيَةُ ا هـ‏.‏

وَعِبَارَةُ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ هُنَا، وَيُعْتَبَرُ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ يَوْمِ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ فَهِيَ مُوَافِقَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّا نَعْتَبِرُ الْوَسَطَ هُنَا وَهُنَاكَ، وَلَوْ صَالَحَهُ الْبَائِعُ بِالْأَرْشِ أَوْ غَيْرِهِ عَنْ الرَّدِّ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ خِيَارُ فَسْخٍ فَأَشْبَهَ خِيَارَ التَّرَوِّي فِي كَوْنِهِ غَيْرَ مُتَقَوِّمٍ وَلَمْ يَسْقُطْ الرَّدُّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَقَطَ بِعِوَضٍ وَلَمْ يُسْلَمْ إلَّا إنْ عَلِمَ بُطْلَانَ الْمُصَالَحَةِ فَيَسْقُطُ الرَّدُّ لِتَقْصِيرِهِ، وَلَيْسَ لِمَنْ لَهُ الرَّدُّ إمْسَاكُ الْمَبِيعِ وَطَلَبُ الْأَرْشِ وَلَا لِلْبَائِعِ مَنْعُهُ مِنْ الرَّدِّ وَدَفْعِ الْأَرْشِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ عَلِمَ الْعَيْبَ بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِهِ إلَى غَيْرِهِ فَلَا أَرْشَ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ عَادَ الْمِلْكُ فَلَهُ الرَّدُّ، وَقِيلَ إنْ عَادَ بِغَيْرِ الرَّدِّ بِعَيْبٍ فَلَا رَدَّ، وَالرَّدُّ عَلَى الْفَوْرِ فَلْيُبَادِرْ عَلَى الْعَادَةِ، فَلَوْ عَلِمَهُ وَهُوَ يُصَلِّي أَوْ يَأْكُلُ فَلَهُ تَأْخِيرُهُ حَتَّى يَفْرُغَ أَوْ لَيْلًا فَحَتَّى يُصْبِحَ، فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ بِالْبَلَدِ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ أَوْ عَلَى وَكِيلِهِ وَلَوْ تَرَكَهُ وَرَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ فَهُوَ آكَدُ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا رُفِعَ إلَى الْحَاكِمِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

تَنْبِيهٌ أَجَّرَ الْمَبِيعَ ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ وَلَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِالْعَيْنِ مَسْلُوبَةَ الْمَنْفَعَةِ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ ‏(‏وَلَوْ عَلِمَ الْعَيْبَ‏)‏ بِالْمَبِيعِ ‏(‏بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِهِ‏)‏ عَنْهُ ‏(‏إلَى غَيْرِهِ‏)‏ بِعِوَضٍ أَوْ بِدُونِهِ، وَهُوَ بَاقٍ بِحَالِهِ فِي يَدِ الثَّانِي ‏(‏فَلَا أَرْشَ‏)‏ لَهُ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَيْأَسْ مِنْ الرَّدِّ فَقَدْ يَعُودُ إلَيْهِ فَيَرُدُّهُ، وَقِيلَ عِلَّتُهُ أَنَّهُ اسْتَدْرَكَ الظُّلَامَةَ وَخَرَّجُوا عَلَى هَاتَيْنِ الْعِلَّتَيْنِ زَوَالَهُ بِلَا عِوَضٍ، فَعَلَى الْأُولَى وَهِيَ الصَّحِيحَةُ لَا أَرْشَ‏.‏ وَعَلَى الثَّانِي يَجِبُ‏.‏ وَالْوَجْهُ الثَّانِي‏:‏ أَنَّ لَهُ الْأَرْشَ كَمَا لَوْ تَلِفَ ‏(‏فَإِنْ عَادَ الْمِلْكُ‏)‏ إلَيْهِ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ أَوْ انْفَكَّ رَهْنُهُ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ‏(‏فَلَهُ الرَّدُّ‏)‏ لِزَوَالِ الْمَانِعِ ‏(‏وَ‏)‏ عَلَى الْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ ‏(‏قِيلَ إنْ عَادَ‏)‏ الْمَبِيعُ إلَيْهِ ‏(‏بِغَيْرِ الرَّدِّ بِعَيْبٍ فَلَا رَدَّ‏)‏ لَهُ؛ لِأَنَّهُ بِالِاعْتِيَاضِ عَنْهُ اسْتَدْرَكَ الظُّلَامَةَ وَغَبَنَ غَيْرَهُ كَمَا غُبِنَ هُوَ وَلَمْ يُبْطِلْ ذَلِكَ الِاسْتِدْرَاكَ بِخِلَافِ مَا لَوْ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ، وَعَلَى الْأَصَحِّ لَوْ تَعَذَّرَ الْعَوْدُ لِتَلَفٍ أَوْ إعْتَاقٍ رَجَعَ بِالْأَرْشِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ وَالْأَوَّلُ عَلَى بَائِعِهِ‏.‏ وَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْغُرْمِ لِلثَّانِي وَمَعَ إبْرَائِهِ مِنْهُ‏.‏ وَقِيلَ لَا فِيهِمَا بِنَاءً عَلَى التَّعْلِيلِ بِاسْتِدْرَاكِ الظُّلَامَةَ ‏(‏وَالرَّدُّ‏)‏ بِالْعَيْبِ ‏(‏عَلَى الْفَوْرِ‏)‏ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏.‏ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَيْعِ اللُّزُومُ وَالْجَوَازُ عَارِضٌ‏.‏ وَلِأَنَّهُ خِيَارٌ ثَبَتَ بِالشَّرْعِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَالِ فَكَانَ فَوْرِيًّا كَالشُّفْعَةِ فَيَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ بِغَيْرِ عُذْرٍ‏.‏ وَهَذَا فِي الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ‏.‏ أَمَّا الْوَاجِبُ فِي الذِّمَّةِ بِبَيْعٍ أَوْ سَلَمٍ إذَا قُبِضَ فَوُجِدَ مَعِيبًا‏.‏ فَقَالَ الْإِمَامُ‏:‏ إنْ قُلْنَا لَا يُمْلَكُ إلَّا بِالرِّضَا‏:‏ أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَلَا يُعْتَبَرُ الْفَوْرُ إذْ الْمِلْكُ مَوْقُوفٌ عَلَى الرِّضَا‏.‏ وَكَذَا إنْ قُلْنَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعْقُودًا عَلَيْهِ‏.‏ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْفَوْرُ فِيمَا يُؤَدِّي رَدُّهُ إلَى رَفْعِ الْعَقْدِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

يُسْتَثْنَى مِنْ اشْتِرَاطِ الْفَوْرِ صُوَرٌ‏:‏ مِنْهَا لَوْ أَجَّرَ الْمَبِيعَ ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ وَلَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِالْعَيْنِ مَسْلُوبَةَ الْمَنْفَعَةِ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يُعْذَرُ فِي التَّأْخِيرِ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ‏.‏ وَمِنْهَا قَرِيبُ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ‏.‏ وَمَنْ يَنْشَأُ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ إذَا ادَّعَى الْجَهْلَ بِأَنَّ لَهُ الرَّدَّ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ‏.‏ وَلَوْ ادَّعَى الْجَهْلَ بِالْفَوْرِيَّةِ وَكَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ قُبِلَ‏.‏ وَمِنْهَا مَا لَوْ بَاعَ مَالًا زَكَوِيًّا قَبْلَ الْحَوْلِ وَوَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهِ عَيْبًا قَدِيمًا‏.‏ وَقَدْ مَضَى حَوْلٌ مِنْ يَوْمِ الشِّرَاءِ وَلَمْ يُخْرِجْ الزَّكَاةَ بَعْدُ فَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ حَتَّى يُخْرِجَهَا سَوَاءٌ أَقُلْنَا‏:‏ الزَّكَاةُ تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ أَمْ الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ لِلسَّاعِي أَخْذَ الزَّكَاةِ مِنْ عَيْنِهَا لَوْ تَعَذَّرَ أَخْذُهَا مِنْ الْمُشْتَرِي‏.‏ وَذَلِكَ عَيْبٌ حَادِثٌ فَلَا يَبْطُلُ الرَّدُّ بِالتَّأْخِيرِ إلَى أَنْ يُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ‏.‏ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْهُ قَبْلَهُ‏.‏ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ مَعَ التَّمَكُّنِ‏.‏ وَمِنْهَا مَا لَوْ اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ بِالشِّقْصِ قَبْلَ أَخْذِ الشَّفِيعِ فَأَمْسَكَ عَنْ رَدِّهِ انْتِظَارًا لِلشَّفِيعِ‏.‏ فَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ غَائِبًا بَطَلَ حَقُّهُ بِالِانْتِظَارِ وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فَلَا‏.‏ وَمِنْهَا مَا إذَا اشْتَغَلَ بِالرَّدِّ بِعَيْبٍ وَأَخَذَ فِي تَثْبِيتِهِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ فَلَهُ الرَّدُّ بِعَيْبٍ آخَرَ وَيُعْذَرُ فِيهِ لِاشْتِغَالِهِ بِالرَّدِّ بِعَيْبٍ غَيْرِهِ، فَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ اشْتَرَى جَارِيَةً، ثُمَّ ادَّعَى جُنُونَهَا وَطَلَبَ رَدَّهَا وَلَمْ يَثْبُتْ جُنُونُهَا فَادَّعَى عَلَيْهِ بِعَيْبٍ ثَانٍ فَإِنَّ لَهُ الرَّدَّ إذَا ثَبَتَ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ مَا ادَّعَاهُ مِنْ جُنُونٍ مُتَقَدِّمٍ وَلَا تَأْخِيرِ إثْبَاتِهِ إذَا كَانَ لِعَجْزِهِ‏.‏ وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ‏:‏ أَنَا أُزِيلُ مَا بِهِ مِنْ عَيْبٍ وَأَمْكَنَ فِي مُدَّةٍ لَا أُجْرَةَ لِمِثْلِهَا كَنَقْلِ الْحِجَارَةِ الْمَدْفُونَةِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ وَلَا رَدَّ لِلْمُشْتَرِي ‏(‏فَلْيُبَادِرْ‏)‏ مُرِيدُ الرَّدِّ ‏(‏عَلَى الْعَادَةِ‏)‏ وَلَا يُؤْمَرُ بِالْعَدْوِ وَالرَّكْضِ لِيَرُدَّ ‏(‏فَلَوْ عَلِمَهُ وَهُوَ يُصَلِّي‏)‏ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا ‏(‏أَوْ يَأْكُلُ‏)‏ أَوْ يَقْضِي حَاجَتَهُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ أَوْ وَهُوَ فِي حَمَّامٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الشُّفْعَةِ ‏(‏فَلَهُ تَأْخِيرُهُ حَتَّى يَفْرُغَ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مُقَصِّرًا، وَلَا يَلْزَمُهُ تَخْفِيفُ الصَّلَاةِ وَالِاقْتِصَارُ فِيهَا عَلَى مَا يُجْزِئُ وَلَا يَزِيدُ فِيهَا عَلَى مَا يُسَنُّ لِلْمُنْفَرِدِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَكَلَامُهُ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَهُ وَقَدْ دَخَلَ وَقْتُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَلَمْ يَشْرَعْ فِيهَا أَنَّ الْحُكْمَ بِخِلَافِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا إذْ لَا فَرْقَ، وَلَوْ لَبِسَ ثَوْبَهُ أَوْ غَلَّقَ بَابَهُ فَلَا بَأْسَ، وَلَا يَضُرُّ فِي الرَّدِّ الِابْتِدَاءُ بِالسَّلَامِ بِخِلَافِ الِاشْتِغَالِ بِمُحَادَثَتِهِ، وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَبَقَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَأَجَازَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ ثُمَّ أَرَادَ الْفَسْخَ فَلَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَعُدْ الْعَبْدُ إلَيْهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ عَلِمَهُ ‏(‏لَيْلًا‏)‏ وَقَيَّدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِكُلْفَةِ السَّيْرِ فِيهِ، وَنَقَلَ نَحْوَهُ عَنْ التَّتِمَّةِ ‏(‏فَحَتَّى يُصْبِحَ‏)‏ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ كُلْفَةٌ فِي السَّيْرِ‏:‏ كَأَنْ كَانَ جَارًا لَهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ‏(‏فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ‏)‏ الْمَالِكُ ‏(‏بِالْبَلَدِ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ‏)‏ إنْ لَمْ يَحْصُلْ بِالتَّوْكِيلِ تَأْخِيرٌ ‏(‏أَوْ عَلَى وَكِيلِهِ‏)‏ بِالْبَلَدِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ، أَمَّا إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَكِيلًا فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مُوَكِّلِهِ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ رَدَّهُ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى وَكِيلِهِ‏:‏ أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الرَّدُّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَةَ عَلَيْهِ فَفَاتَهُ النَّصُّ عَلَى التَّخْيِيرِ عِنْدَ الرَّدِّ إلَى الْوَكِيلِ، وَلَوْ مَاتَ الْمَالِكُ رَدَّهُ عَلَى وَارِثِهِ أَوْ حَجَرَ عَلَيْهِ فَعَلَى وَلِيِّهِ ‏(‏وَلَوْ تَرَكَهُ‏)‏ أَيْ الْبَائِعُ أَوْ وَكِيلُهُ ‏(‏وَرَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ فَهُوَ آكَدُ‏)‏، لِأَنَّ الْخَصْمَ رُبَّمَا أَحْوَجَهُ فِي آخَرِ الْأَمْرِ إلَى الْمُرَافَعَةِ إلَيْهِ فَيَكُونُ الْإِتْيَانُ إلَيْهِ فَاصِلًا لِلْأَمْرِ جَزْمًا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي التَّخْيِيرِ الْمَذْكُورِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الِاطِّلَاعُ بِحَضْرَةِ أَحَدِهِمْ أَمْ فِي غَيْبَةِ الْكُلِّ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِمَا مَرَّ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ إذَا عُلِمَ بِحَضْرَةِ أَحَدِهِمْ فَالتَّأْخِيرُ لِغَيْرِهِ تَقْصِيرٌ، وَإِذَا جَاءَ إلَى الْحَاكِمِ لَا يَدَّعِي؛ لِأَنَّ غَرِيمَهُ غَائِبٌ عَنْ الْمَجْلِسِ وَهُوَ فِي الْبَلَدِ غَيْرُ مُتَوَارٍ وَلَا مُتَعَزِّزٍ، وَإِنَّمَا يَفْسَخُ بِحَضْرَتِهِ ثُمَّ يَطْلُبُ غَرِيمَهُ لِيَرُدَّ عَلَيْهِ‏.‏ قَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ إذَا قُلْنَا‏:‏ الْقَاضِي لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ فَمَا فَائِدَةُ ذَلِكَ، فَلَعَلَّ هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِعِلْمِهِ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَلِأَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَخْلُو غَالِبًا عَنْ شُهُودٍ أَوْ يَصِيرُ الْحَاكِمُ شَاهِدًا لَهُ ‏(‏وَإِنْ كَانَ‏)‏ الْبَائِعُ ‏(‏غَائِبًا‏)‏ عَنْ الْبَلَدِ وَلَا وَكِيلَ لَهُ سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْمَسَافَةُ قَرِيبَةً أَمْ بَعِيدَةً ‏(‏رَفَعَ‏)‏ الْأَمْرَ ‏(‏إلَى الْحَاكِمِ‏)‏ وَلَا يُؤَخَّرُ لِقُدُومِهِ، وَطَرِيقُهُ عِنْدَ الرَّفْعِ أَنْ يَدَّعِيَ شِرَاءَ ذَلِكَ الشَّيْءِ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ قَبَضَهُ ثُمَّ ظَهَرَ الْعَيْبُ وَأَنَّهُ فَسَخَ الْبَيْعَ، وَيُقِيمُ بَيِّنَةً بِذَلِكَ وَيُحَلِّفُهُ الْحَاكِمُ أَنَّ الْأَمْرَ جَرَى كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى غَائِبٍ وَيُحْكَمُ بِالرَّدِّ عَلَى الْغَائِبِ وَيَبْقَى الثَّمَنُ دَيْنًا عَلَيْهِ وَيَأْخُذُ الْمَبِيعَ وَيَضَعُهُ عِنْدَ عَدْلٍ ثُمَّ يُعْطِيهِ الْقَاضِي الثَّمَنَ مِنْ مَالِ الْغَائِبِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ سِوَى الْمَبِيعِ بَاعَهُ فِيهِ، فَإِنْ قِيلَ ذَكَرَ الشَّيْخَانِ فِي بَابِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَأَقَرَّاهُ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ فَسْخِهِ بِالْعَيْبِ حَبْسَ الْمَبِيعِ إلَى اسْتِرْجَاعِ ثَمَنِهِ مِنْ الْبَائِعِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ بِخَصْمٍ فَيُؤْتَمَنُ بِخِلَافِ الْبَائِعِ، فَإِنْ قِيلَ إطْلَاقُ الشَّيْخَيْنِ الْغَيْبَةَ يَشْمَلُ قَصِيرَ الْمَسَافَةِ كَمَا تَقَرَّرَ مَعَ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَصِحُّ فِيهِ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ؛ لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِهِ الْخُرُوجَ عَنْ الْبَلَدِ مَشَقَّةً، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْمُرَادُ بِالرَّفْعِ إلَى الْحَاكِمِ عِنْدَ قُرْبِ الْمَسَافَةِ لِيَفْسَخَ عِنْدَهُ أَوْ لِيَطْلُبَ الرَّدَّ بِفَسْخِهِ قَبْلَ الْحُضُورِ إذَا أَشْهَدَ عَلَيْهِ‏.‏ أَمَّا الْقَضَاءُ بِهِ وَفَصْلُ الْأَمْرِ وَبَيْعُ مَالِهِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ شُرُوطِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ‏.‏

المتن‏:‏

وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ عَلَى الْفَسْخِ إنْ أَمْكَنَهُ حَتَّى يُنْهِيَهُ إلَى الْبَائِعِ أَوْ الْحَاكِمِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْإِشْهَادِ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّلَفُّظُ بِالْفَسْخِ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ‏)‏ أَيْ الْمُشْتَرِي ‏(‏الْإِشْهَادُ عَلَى الْفَسْخِ إنْ أَمْكَنَهُ‏)‏ وَلَوْ فِي حَالِ عُذْرِهِ كَمَرَضٍ وَغَيْبَةٍ وَخَوْفٍ مِنْ عَدُوٍّ؛ لِأَنَّ التَّرْكَ يَحْتَمِلُ الْإِعْرَاضَ، وَأَصْلُ الْبَيْعِ اللُّزُومُ فَتَعَيَّنَ الْإِشْهَادُ بِعَدْلَيْنِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْغَزَالِيُّ أَوْ عَدْلٍ لِيَحْلِفَ مَعَهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الشُّفْعَةِ‏:‏ إنَّهُ إنْ أَشْهَدَ وَاحِدًا لِيَحْلِفَ مَعَهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ مِنْ الْحُكَّامِ مَنْ لَا يَحْكُمُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فَلَمْ يَصِرْ مُسْتَوْثِقًا لِنَفْسِهِ بِالْإِشْهَادِ، وَقَوْلُهُ ‏(‏حَتَّى يُنْهِيَهُ إلَى الْبَائِعِ أَوْ الْحَاكِمِ‏)‏ يَقْتَضِي بَقَاءَ وُجُوبِ الذَّهَابِ، وَهُوَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ أَيْضًا، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْمُرَادُ مَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ أَنَّهُ يَنْفُذُ الْفَسْخُ وَلَا يَحْتَاجُ بَعْدَهُ إلَى إتْيَانِ الْبَائِعِ أَوْ الْحَاكِمِ إلَّا لِلتَّسْلِيمِ وَفَصْلِ الْخُصُومَةِ‏.‏ وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ طَالِبًا لِلْمَالِكِ أَوْ الْحَاكِمِ لَا يُعَدُّ مُقَصِّرًا‏.‏ أَمَّا الْإِشْهَادُ عَلَى طَلَبِ الْفَسْخِ فَلَا يَكْفِي عَلَى الْأَوَّلِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْغَزَالِيِّ بِخِلَافِهِ فِي الشُّفْعَةِ‏.‏ قَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ إنْشَاءُ الْفَسْخِ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ، وَفِي الشُّفْعَةِ لَا يُمْكِنُهُ إلَّا بِأُمُورٍ مَقْصُودَةٍ فَلَيْسَ الْمَقْدُورُ فِي حَقِّهِ إلَّا الْإِشْهَادُ عَلَى الطَّلَبِ ‏(‏فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْإِشْهَادِ‏)‏ عَلَى الْفَسْخِ ‏(‏لَمْ يَلْزَمْهُ التَّلَفُّظُ بِالْفَسْخِ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ إذْ يَبْعُدُ إيجَابُهُ مِنْ غَيْرِ سَامِعٍ أَوْ سَامِعٍ لَا يُعْتَدُّ بِهِ؛ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا يَتَعَذَّرْ عَلَيْهِ ثُبُوتُهُ فَيَتَضَرَّرُ بِالْمَنْعِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ يَجِبُ لِيُبَادِرَ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَعَلَى هَذَا عَامَّةُ الْأَصْحَابِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَيُشْتَرَطُ تَرْكُ الِاسْتِعْمَالِ، فَلَوْ اسْتَخْدَمَ الْعَبْدَ أَوْ تَرَكَ عَلَى الدَّابَّةِ سَرْجَهَا أَوْ إكَافَهَا بَطَلَ حَقُّهُ، وَيُعْذَرُ فِي رُكُوبِ جَمُوحٍ يَعْسُرُ سَوْقُهَا وَقَوْدُهَا، وَإِذَا سَقَطَ رَدُّهُ بِتَقْصِيرٍ فَلَا أَرْشَ، وَلَوْ حَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ سَقَطَ الرَّدُّ قَهْرًا، ثُمَّ إنْ رَضِيَ بِهِ الْبَائِعُ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي أَوْ قَنَعَ بِهِ، وَإِلَّا فَلْيَضُمَّ الْمُشْتَرِي أَرْشَ الْحَادِثِ إلَى الْمَبِيعِ وَيَرُدَّ أَوْ يَغْرَمَ الْبَائِعُ أَرْشَ الْقَدِيمِ، وَلَا يَرُدُّ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَحَدِهِمَا فَذَاكَ وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ إجَابَةُ مَنْ طَلَبَ الْإِمْسَاكَ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيُشْتَرَطُ‏)‏ فِي الرَّدِّ ‏(‏تَرْكُ الِاسْتِعْمَالِ فَلَوْ اسْتَخْدَمَ الْعَبْدَ‏)‏ وَلَوْ بِشَيْءٍ خَفِيفٍ كَقَوْلِهِ‏:‏ اسْقِنِي وَلَوْ لَمْ يَسْقِهِ كَمَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الرَّوْضَةِ الصَّحِيحَةِ ‏(‏أَوْ تَرَكَ عَلَى الدَّابَّةِ سَرْجَهَا أَوْ إكَافَهَا‏)‏ وَإِنْ كَانَ مِلْكًا لِلْبَائِعِ، أَوْ ابْتَاعَهُ مَعَهَا كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ وَلَمْ يَحْصُلْ بِالنَّزْعِ ضَرَرٌ أَوْ رَكِبَهَا ‏(‏بَطَلَ حَقُّهُ‏)‏ مِنْ الرَّدِّ لِإِشْعَارِ ذَلِكَ بِالرِّضَا، وَإِنَّمَا جَعَلَ التَّرْكَ انْتِفَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتْرُكْهُ عَلَى الدَّابَّةِ لَاحْتَاجَ إلَى حَمْلِهِ أَوْ تَحْمِيلِهِ، وَقِيلَ لَا يَضُرُّ الِاسْتِعْمَالُ الْخَفِيفُ كَقَوْلِهِ‏:‏ أَغْلِقْ الْبَابَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَضُرُّ تَرْكُ اللِّجَامِ وَالْعِذَارِ لِخِفَّتِهِمَا فَلَا يُعَدُّ تَرْكُهُمَا وَلَا تَعْلِيقُهُمَا انْتِفَاعًا، وَلِأَنَّ سَوْقَ الدَّابَّةِ يَعْسُرُ بِدُونِهِمَا‏.‏ فَائِدَةٌ‏:‏ الْعِذَارُ مَا عَلَى خَدِّ الدَّابَّةِ مِنْ اللِّجَامِ أَوْ الْمِقْوَدِ، وَالْإِكَافُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَشْهَرُ مِنْ ضَمِّهَا، وَيُقَالُ أَيْضًا‏:‏ الْوِكَافُ بِكَسْرِ الْوَاوِ، وَهُوَ مَا تَحْتَ الْبَرْذَعَةِ، وَقِيلَ‏:‏ نَفْسُهَا، وَقِيلَ‏:‏ مَا فَوْقَهَا، وَلَا يَضُرُّ عَلَفُهَا وَسَقْيُهَا أَوْ حَلْبُهَا فِي الطَّرِيقِ إذَا حَلَبَهَا وَهِيَ سَائِرَةٌ، فَإِنْ حَلَبَهَا وَاقِفَةً بَطَلَ حَقُّهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ السُّبْكِيُّ وَنَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِيهِ وَقْفَةٌ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الرَّقِيقَ لَوْ خَدَمَ الْمُشْتَرِي وَهُوَ سَاكِتٌ لَمْ يُؤَثِّرْ؛ لِأَنَّ الِاسْتِخْدَامَ طَلَبُ الْعَمَلِ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ فَفِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَوْ جَاءَهُ الْعَبْدُ بِكُوزٍ فَأَخَذَ الْكُوزَ مِنْهُ لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْكُوزِ فِي يَدِهِ كَوَضْعِهِ عَلَى الْأَرْضِ، فَإِنْ شَرِبَ وَرَدَّ الْكُوزَ إلَيْهِ فَهُوَ اسْتِعْمَالٌ، وَأَنَّ مُجَرَّدَ الطَّلَبِ يُؤَثِّرُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْعَمَلُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِدَلَالَةِ الطَّلَبِ عَلَى الرِّضَا سَوَاءٌ أَعَمِلَ أَمْ لَمْ يَعْمَلْ ‏(‏وَيُعْذَرُ فِي رُكُوبِ جَمُوحٍ‏)‏ بِفَتْحِ الْجِيمِ ‏(‏يَعْسُرُ سَوْقُهَا وَقَوْدُهَا‏)‏ بِسُكُونِ الْوَاوِ لِلْحَاجَةِ، فَإِنْ لَمْ يَعْسُرْ لَمْ يُعْذَرْ فِي الرُّكُوبِ، وَإِنْعَالُ الدَّابَّةِ فِي الطَّرِيقِ يُسْقِطُ الرَّدَّ إلَّا إنْ عَجَزَتْ عَنْ الْمَشْيِ لِلْعُذْرِ، وَلَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ ثُمَّ عَلِمَ عَيْنَهُ فِي الطَّرِيقِ لَمْ يُكَلَّفْ نَزْعُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَادٍ بِخِلَافِ النُّزُولِ عَنْ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الرُّكُوبِ رُكُوبٌ‏.‏ وَيَتَعَيَّنُ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ تَصْوِيرُ عَدَمِ النَّزْعِ فِي ذَوِي الْهَيْئَاتِ؛ لِأَنَّ غَالِبَ الْمُحْتَرِفَةِ لَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ ذَلِكَ وَيَأْتِي نَحْوُهُ فِي النُّزُولِ عَنْ الدَّابَّةِ ‏(‏وَإِذَا سَقَطَ رَدُّهُ بِتَقْصِيرٍ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏فَلَا أَرْشَ‏)‏ لَهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُفَوِّتُ بِتَقْصِيرِهِ ‏(‏وَلَوْ حَدَثَ‏)‏ بِالْمَبِيعِ ‏(‏عِنْدَهُ‏)‏ أَيْ الْمُشْتَرِي ‏(‏عَيْبٌ‏)‏ بِآفَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لَا بِسَبَبٍ وُجِدَ فِي يَدِ الْبَائِعِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ‏.‏ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ ‏(‏سَقَطَ الرَّدُّ قَهْرًا‏)‏ أَيْ الرَّدُّ الْقَهْرِيُّ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِعَيْبٍ فَلَا يَرُدُّهُ بِعَيْبَيْنِ وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ وَنِسْيَانُ الْقُرْآنِ وَالْحِرْفَةِ بِمَثَابَةِ الْعَيْبِ لِنُقْصَانِ الْقِيمَةِ‏.‏ وَيُسْتَثْنَى مِنْ مَنْعِ الرَّدِّ بِحُدُوثِ الْعَيْبِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي مَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ إلَّا بَعْدَ زَوَالِ الْحَادِثِ، وَمَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ هُوَ التَّزْوِيجُ‏.‏

وَقَالَ الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ‏:‏ إنْ رَدَّكِ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَهُ الرَّدُّ لِزَوَالِ الْمَانِعِ ‏(‏ثُمَّ إنْ رَضِيَ بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَبِيعِ ‏(‏الْبَائِعُ‏)‏ مَعِيبًا ‏(‏رَدَّهُ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏الْمُشْتَرِي‏)‏ بِلَا أَرْشٍ لِلْحَادِثِ ‏(‏أَوْ قَنَعَ بِهِ‏)‏ بِلَا أَرْشٍ عَنْ الْقَدِيمِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الرَّدِّ وَهُوَ ضَرَرُ الْبَائِعِ قَدْ زَالَ بِرِضَاهُ بِهِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِهِ مَعِيبًا ‏(‏فَلْيَضُمَّ الْمُشْتَرِي أَرْشَ الْحَادِثِ إلَى الْمَبِيعِ وَيَرُدَّ أَوْ يَغْرَمَ الْبَائِعُ أَرْشَ الْقَدِيمِ وَلَا يَرُدُّ‏)‏ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ ذَلِكَ فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ وَرِعَايَةٌ لِلْجَانِبَيْنِ ‏(‏فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَحَدِهِمَا‏)‏ فِي غَيْرِ الرِّبَوِيِّ الْمَبِيعِ بِجِنْسِهِ ‏(‏فَذَاكَ‏)‏ ظَاهِرٌ‏.‏ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا‏.‏ أَمَّا الرِّبَوِيُّ الْمَذْكُورُ فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ الْفَسْخُ مَعَ أَرْشِ الْحَادِثِ لِمَا مَرَّ فِيهِ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى هَلَاكِ الْمَبِيعِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي‏.‏ فَإِنْ قِيلَ قَدْ مَرَّ أَنَّ أَخْذَ أَرْشِ الْقَدِيمِ بِالتَّرَاضِي مُمْتَنِعٌ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهُ عِنْدَ إمْكَانِ الرَّدِّ يَتَخَيَّلُ أَنَّ الْأَرْشَ فِي مُقَابَلَةِ سَلْطَنَةِ الرَّدِّ وَهِيَ لَا تُقَابِلُ بِخِلَافِهِ عِنْدَ عَدَمِ إمْكَانِهِ‏.‏ فَإِنَّ الْمُقَابَلَةَ تَكُونُ عَمَّا فَاتَ مِنْ وَصْفِ السَّلَامَةِ فِي الْمَبِيعِ‏.‏ وَلَوْ زَالَ الْعَيْبُ الْحَادِثُ بِ أَخْذِ الْمُشْتَرِي أَرْشَ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ أَوْ بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي لَهُ بِهِ وَلَمْ يَأْخُذْهُ فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ وَرَدُّ الْأَرْشِ لِانْفِصَالِ الْأَمْرِ بِذَلِكَ‏.‏ فَإِنْ زَالَ قَبْلَ أَخْذِهِ لَهُ أَوْ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِهِ لِلْمُشْتَرِي فُسِخَ وَلَوْ بَعْدَ التَّرَاضِي عَلَى أَخْذِ الْأَرْشِ، وَإِنْ زَالَ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ قَبْلَ أَخْذِ أَرْشِهِ لَمْ يَأْخُذْهُ أَوْ بَعْدَهُ وَجَبَ رَدُّهُ لِزَوَالِ الْمُقْتَضِي لِأَخْذِهِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ أَيْ‏:‏ وَإِنْ بَقِيَ الْعَيْبَانِ وَتَنَازَعَا بِأَنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الرَّدَّ مَعَ أَرْشِ الْحَادِثِ وَالْآخَرُ الْإِمْسَاكَ مَعَ أَرْشِ الْقَدِيمِ ‏(‏فَالْأَصَحُّ إجَابَةُ مَنْ طَلَبَ الْإِمْسَاكَ‏)‏ مَعَ أَرْشِ الْقَدِيمِ سَوَاءٌ أَكَانَ هُوَ الْبَائِعُ أَمْ الْمُشْتَرِي لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْرِيرِ الْعَقْدِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ يُجَابُ الْمُشْتَرِي مُطْلَقًا لِتَلْبِيسِ الْبَائِعِ عَلَيْهِ‏.‏ وَالثَّالِثُ‏:‏ يُجَابُ الْبَائِعُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ إمَّا غَارِمٌ أَوْ أَخَذَ مَا لَمْ يَرُدَّ الْعَقْدَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي، هَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ‏.‏ أَمَّا مَنْ يَتَصَرَّفُ لِغَيْرِهِ بِوِلَايَةٍ أَوْ نِيَابَةٍ فَإِنَّهُ يَفْعَلُ الْأَحَظَّ لَهُ‏.‏

المتن‏:‏

وَيَجِبُ أَنْ يُعْلِمَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَلَى الْفَوْرِ بِالْحَادِثِ لِيَخْتَارَ، فَإِنْ أَخَّرَ إعْلَامَهُ بِلَا عُذْرٍ فَلَا رَدَّ وَلَا أَرْشَ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

فَرْعٌ‏:‏

لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا ثُمَّ صَبَغَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبِهِ فَطَلَبَ الْمُشْتَرِي أَرْشَ الْعَيْبِ وَقَالَ الْبَائِعُ‏:‏ رُدَّ الثَّوْبَ لِأَغْرَمَ لَك قِيمَةَ الصِّبْغِ‏.‏‏.‏ أُجِيبَ الْبَائِعُ وَسَقَطَ أَرْشُ الْعَيْبِ عَنْ الْمُشْتَرِي‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ هَلَّا أُجِيبَ مَنْ طَلَبَ الْإِمْسَاكَ كَمَا فِي حُدُوثِ الْعَيْبِ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ هُنَا إذَا أَخَذَ الثَّمَنَ وَقِيمَةَ الصِّبْغِ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا وَهُنَاكَ لَوْ أَلْزَمْنَاهُ الرَّدَّ وَأَرْشَ الْحَادِثِ غَرِمْنَاهُ لَا فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ، فَنَظِيرُ مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ أَنْ يَطْلُبَ الْبَائِعُ رَدَّهُ بِلَا أَرْشِ الْحَادِثِ فَإِنَّهُ لَا يُجَابُ الْمُشْتَرِي، وَعَلَى هَذَا تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ كَلَامُهُ فِي الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَالصِّبْغُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ زِيَادَةٌ فِي الْمَبِيعِ لَا عَيْبٌ‏.‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْقَفَّالَ قَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ الصِّبْغَ وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ مِنْ الْعُيُوبِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْأَذْرَعِيُّ‏.‏ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ فَصْلُ الصِّبْغِ بِغَيْرِ نَقْصٍ فِي الثَّوْبِ، فَإِنْ أَمْكَنَ فَصْلُهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَصَلَهُ وَرَدَّ الثَّوْبَ كَمَا اقْتَضَاهُ تَعْلِيلُهُمْ، وَصَرَّحَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيُّ وَغَيْرُهُ ‏(‏وَيَجِبُ أَنْ يُعْلِمَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَلَى الْفَوْرِ بِالْحَادِثِ‏)‏ مَعَ الْقَدِيمِ ‏(‏لِيَخْتَارَ‏)‏ شَيْئًا مِمَّا مَرَّ مِنْ أَخْذِ الْمَبِيعِ وَتَرْكِهِ وَإِعْطَاءِ الْأَرْشِ ‏(‏فَإِنْ أَخَّرَ إعْلَامَهُ‏)‏ بِذَلِكَ عَنْ فَوْرِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْقَدِيمِ ‏(‏بِلَا عُذْرٍ فَلَا رَدَّ‏)‏ لَهُ بِهِ ‏(‏وَلَا أَرْشَ‏)‏ عَنْهُ كَمَا لَوْ أَخَّرَ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ، فَلَوْ أَخَّرَ وَادَّعَى الْجَهْلَ بِفَوْرِيَّةِ الْإِعْلَامِ بِالْحَادِثِ فَهُوَ كَمَا لَوْ ادَّعَى الْجَهْلَ بِفَوْرِيَّةِ الرَّدِّ بَلْ هَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْفُقَهَاءُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ كَانَ الْحَادِثُ قَرِيبَ الزَّوَالِ غَالِبًا كَرَمَدٍ وَحُمَّى عُذِرَ فِي انْتِظَارِ زَوَالِهِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ لِيَرُدَّ الْمَبِيعَ سَالِمًا، وَإِنْ كَانَ قَدْ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ تَرْجِيحُ مَا يُفْهِمُهُ إطْلَاقُ الْمَتْنِ مِنْ الْمَنْعِ، وَلَوْ حَدَثَ عَيْبٌ مِثْلُ الْقَدِيمِ كَبَيَاضٍ قَدِيمٍ وَحَادِثٍ فِي عَيْنِهِ ثُمَّ زَالَ أَحَدُهُمَا وَأَشْكَلَ الْحَالُ وَاخْتَلَفَ فِيهِ الْعَاقِدَانِ، فَقَالَ الْبَائِعُ الزَّائِلُ الْقَدِيمُ فَلَا رَدَّ وَلَا أَرْشَ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي‏:‏ بَلْ الْحَادِثُ فَلِي الرَّدُّ، وَحَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى مَا قَالَهُ سَقَطَ الرَّدُّ بِحَلِفِ الْبَائِعِ وَوَجَبَ لِلْمُشْتَرِي الْأَرْشُ بِحَلِفِهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ لَهُ مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا يَدَّعِي الرَّدَّ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ وَجَبَ الْأَقَلُّ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ، وَمَنْ نَكَلَ مِنْهُمَا عَنْ الْيَمِينِ قَضَى عَلَيْهِ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ‏.‏ قَاعِدَةٌ‏:‏ كُلُّ مَا يَثْبُتُ بِهِ الرَّدُّ عَلَى الْبَائِعِ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ، إذَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَمَا لَا يَثْبُتُ بِهِ الرَّدُّ عَلَيْهِ لَمْ يَمْنَعْ الرَّدَّ، إذَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، فَتَحْرِيمُ الْأَمَةِ الثَّيِّبِ بِوَطْئِهَا عَلَى الْبَائِعِ لِكَوْنِ الْمُشْتَرِي ابْنَهُ أَوْ أَبَاهُ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ كَمَا لَا يُثْبِتُهُ، وَكَذَا لَا يَمْنَعُهُ إرْضَاعٌ يُحَرِّمُ الصَّغِيرَةَ عَلَى الْبَائِعِ كَأَنْ ارْتَضَعَتْ مِنْ أُمِّهِ أَوْ ابْنَتِهِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي‏.‏ ثُمَّ عَلِمَ الْعَيْبَ إلَّا فِي مَسَائِلَ قَلِيلَةٍ يَمْتَنِعُ فِيهَا الرَّدُّ وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ فِيهَا الرَّدُّ‏.‏ مِنْهَا الثُّيُوبَةُ فِي الْأَمَةِ فِي أَوَانِهَا فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ بِهَا مَعَ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهَا بِكْرًا فَوَطِئَهَا امْتَنَعَ الرَّدُّ‏.‏ وَمِنْهَا وُجُودُ الْعَبْدِ غَيْرَ قَارِئٍ أَوْ عَارِفٍ لِصَنْعَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ بِهِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ قَارِئًا أَوْ عَارِفًا لِصَنْعَةٍ فَنَسِيَ الْقُرْآنَ أَوْ الصَّنْعَةَ امْتَنَعَ الرَّدُّ، وَإِقْرَارُ الْعَبْدِ بِدَيْنِ مُعَامَلَةٍ لَمْ يَمْنَعْ الرَّدَّ، وَيَمْنَعُهُ الْإِقْرَارُ بِدَيْنِ الْإِتْلَافِ إنْ صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي فِيهِ وَإِلَّا فَلَا، وَعَفْوُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّصْدِيقِ كَزَوَالِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ حَدَثَ عَيْبٌ لَا يُعْرَفُ الْقَدِيمُ إلَّا بِهِ كَكَسْرِ بَيْضٍ وَرَانِجٍ وَتَقْوِيرِ بِطِّيخٍ مُدَوِّدٍ رُدَّ وَلَا أَرْشَ عَلَيْهِ فِي الْأَظْهَرِ، فَإِنْ أَمْكَنَ مَعْرِفَةُ الْقَدِيمِ بِأَقَلَّ مِمَّا أَحْدَثَهُ فَكَسَائِرِ الْعُيُوبِ الْحَادِثَةِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ حَدَثَ عَيْبٌ لَا يُعْرَفُ الْقَدِيمُ إلَّا بِهِ كَكَسْرِ بَيْضِ‏)‏ نَعَامٍ وَقَدْ يُعْرَفُ بِاللَّقْلَقَةِ ‏(‏وَ‏)‏ ثَقْبُ ‏(‏رَانِجٍ‏)‏ وَهُوَ بِكَسْرِ النُّونِ الْجَوْزُ الْهِنْدِيُّ ‏(‏وَتَقْوِيرِ بِطِّيخٍ‏)‏ بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا، وَيُقَالُ فِيهِ‏:‏ طِبِّيخٍ بِتَقْدِيمِ الطَّاءِ ‏(‏مُدَوِّدٍ‏)‏ بِكَسْرِ الْوَاوِ بَعْضُهُ ‏(‏رُدَّ‏)‏ مَا ذُكِرَ قَهْرًا ‏(‏وَلَا أَرْشَ عَلَيْهِ‏)‏ لِلْحَادِثِ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ وَكَذَا كُلُّ مَا كَانَ مَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ كَالرُّمَّانِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ لِعُذْرِهِ فِي تَعَاطِيهِ لِاسْتِكْشَافِ الْعَيْبِ كَمَا فِي الْمُصَرَّاةِ وَلَا أَرْشَ عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ لِذَلِكَ وَكَانَ الْبَائِعُ بِالْبَيْعِ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ يَرُدُّ وَلَكِنْ يَرُدُّ مَعَهُ الْأَرْشُ رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ، وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا مَعِيبًا وَمَكْسُورًا مَعِيبًا، وَلَا نَظَرَ إلَى الثَّمَنِ‏.‏ وَالثَّالِثُ‏:‏ لَا يُرَدُّ أَصْلًا كَمَا فِي سَائِرِ الْعُيُوبِ الْحَادِثَةِ، فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِأَرْشِ الْقَدِيمِ أَوْ يَغْرَمُ أَرْشَ الْحَادِثِ إلَى آخَرِ مَا تَقَدَّمَ‏.‏ أَمَّا مَا لَا قِيمَةَ لَهُ كَالْبَيْضِ الْمَذِرِ وَالْبِطِّيخِ الْمُدَوِّدِ كُلِّهِ أَوْ الْمُعَفَّنِ فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ فَسَادُ الْبَيْعِ لِوُرُودِهِ عَلَى غَيْرِ مُتَقَوِّمٍ، وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ تَنْظِيفُ الْمَكَانِ مِنْهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ‏:‏ وَرَانِجٍ يُوهِمُ عَطْفَهُ عَلَى كَسْرٍ مَعَ أَنَّهُ إذَا كُسِرَ امْتَنَعَ الرَّدُّ، فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ وَثَقْبُ رَانِجٍ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ، وَخَرَجَ بِبَيْضِ النَّعَامِ بَيْضُ الدَّجَاجِ وَنَحْوُهُ فَإِنَّهُ لَا قِيمَةَ لِمَذَرِهِ بَعْدَ كَسْرِهِ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْأَرْشُ ‏(‏فَإِنْ أَمْكَنَ مَعْرِفَةُ الْقَدِيمِ بِأَقَلَّ مِمَّا أَحْدَثَهُ‏)‏ الْمُشْتَرِي كَالتَّقْوِيرِ الْكَبِيرِ الْمُسْتَغْنَى عَنْهُ بِالصَّغِيرِ، وَكَشَقِّ الرُّمَّانِ الْمَشْرُوطِ حَلَاوَتُهُ لِإِمْكَانِ مَعْرِفَةِ حُمُوضَتِهِ بِالْغَرْزِ، وَكَتَقْوِيرِ الْبِطِّيخِ الْحَامِضِ إذَا أَمْكَنَ مَعْرِفَةُ حُمُوضَتِهِ بِغَرْزِ شَيْءٍ فِيهِ ‏(‏فَكَسَائِرِ الْعُيُوبِ الْحَادِثَةِ‏)‏ فِيمَا تَقَدَّمَ فِيهَا، وَلَوْ أَطْلَقَ بَيْعَ الرُّمَّانِ لَمْ يَقْتَضِ حُمُوضَةً وَلَا حَلَاوَةً فَلَا تَكُونُ حُمُوضَتُهُ عَيْبًا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ‏.‏

فَرْعٌ‏:‏

لَوْ بَانَ الْعَيْبُ وَقَدْ أَنَعْلَ الدَّابَّةَ وَنَزَعَ النَّعْلَ يَعِيبُهَا فَبِنَزْعِهِ بَطَلَ حَقُّهُ مِنْ الرَّدِّ وَالْأَرْشِ لِقَطْعِهِ الْخِيَارَ بِتَعْيِيبِهِ بِالِاخْتِيَارِ، وَإِنْ سَلَّمَهَا بِنَعْلِهَا أُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَى قَبُولِ النَّعْلِ إذْ لَا مِنَّةَ عَلَيْهِ فِيهِ وَلَا ضَرَرَ، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي طَلَبُ قِيمَتِهَا فَإِنَّهَا حَقِيرَةٌ فِي مَعْرَضِ رَدِّ الدَّابَّةِ، فَلَوْ سَقَطَتْ اسْتَرَدَّهَا الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ تَرْكَهَا إعْرَاضٌ لَا تَمْلِيكٌ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّبْهَا نَزْعُهَا لَمْ يُجْبَرْ الْبَائِعُ عَلَى قَبُولِهَا بِخِلَافِ الصُّوفِ يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ زِيَادَتَهُ تُشْبِهُ زِيَادَةَ السِّمَنِ بِخِلَافِ النَّعْلِ فَيَنْزِعُهَا‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ قَدْ مَرَّ أَنَّ الْإِنْعَالَ فِي مُدَّةِ طَلَبِ الْخَصْمِ أَوْ الْحَاكِمِ يَضُرُّ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ‏؟‏‏.‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ اشْتِغَالٌ يُشْبِهُ الْحَمْلَ عَلَى الدَّابَّةِ وَهَذَا تَفْرِيعٌ‏.‏ وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ اشْتِغَالَهُ بِجَزِّ الصُّوفِ مَانِعٌ لَهُ مِنْ الرَّدِّ بَلْ يَرُدُّ ثُمَّ يَجُزُّ‏.‏

المتن‏:‏

فَرْعٌ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ مَعِيبَيْنِ صَفْقَةً رَدَّهُمَا، وَلَوْ ظَهَرَ عَيْبُ أَحَدِهِمَا رَدَّهُمَا لَا الْمَعِيبَ وَحْدَهُ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدٌ رَجُلَيْنِ مَعِيبًا فَلَهُ رَدُّ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا، وَلَوْ اشْتَرَيَاهُ فَلِأَحَدِهِمَا الرَّدُّ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

فَرْعٌ‏:‏

لَا يُرَدُّ بَعْضُ الْمَبِيعِ فِي صَفْقَةٍ بِالْعَيْبِ قَهْرًا، وَإِنْ زَالَ الْبَاقِي عَنْ مِلْكِهِ لِلْبَائِعِ وِفَاقًا لِمَا جَزَمَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالسُّبْكِيُّ وَالْبَغَوِيُّ؛ لِأَنَّهُ وَقْتَ الرَّدِّ لَمْ يَرُدَّ كَمَا تَمَلَّكَ خِلَافًا لِمَا فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي مِنْ أَنَّ لَهُ الرَّدَّ إذْ لَيْسَ فِيهِ تَبْعِيضٌ عَلَى الْبَائِعِ أَوْ كَانَ الْمَبِيعُ مِثْلِيًّا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَانِعَ اتِّحَادُ الصَّفْقَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَانِعَ ضَرَرُ التَّبْعِيضِ وَلَوْ ‏(‏اشْتَرَى عَبْدَيْنِ‏)‏ أَوْ فِي مَعْنَاهُمَا مِنْ كُلِّ شَيْئَيْنِ لَا تَتَّصِلُ مَنْفَعَةُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ ‏(‏مَعِيبَيْنِ‏)‏ مِنْ وَاحِدٍ ‏(‏صَفْقَةً‏)‏ وَلَمْ يَعْلَمْ عَيْبَهُمَا ‏(‏رَدَّهُمَا‏)‏ بَعْدَ ظُهُورِهِ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي لِرَدِّهِمَا، وَيَجْرِي فِي رَدِّ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ ‏(‏وَلَوْ ظَهَرَ عَيْبُ أَحَدِهِمَا‏)‏ دُونَ الْآخَرِ ‏(‏رَدَّهُمَا لَا الْمَعِيبَ وَحْدَهُ‏)‏ قَهْرًا ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، فَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ جَازَ وَسَبِيلُ التَّوْزِيعِ بِتَقْدِيرِهِمَا سَلِيمَيْنِ وَتَقْوِيمِهِمَا‏:‏ أَيْ سَلِيمَيْنِ، وَيُقَسَّطُ الثَّمَنُ الْمُسَمَّى عَلَيْهِمَا‏.‏ وَالثَّانِي لَهُ رَدُّهُ وَأَخْذُ قِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْعَيْبِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَشَارَ بِقَوْلِهِ عَبْدَيْنِ إلَى أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي شَيْئَيْنِ لَا تَتَّصِلُ مَنْفَعَةُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ كَمَا مَرَّ أَمَّا مَا تَتَّصِلُ مَنْفَعَةُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ كَمِصْرَاعَيْ بَابٍ وَزَوْجَيْ خُفٍّ فَلَا يُرَدُّ الْمَعِيبُ مِنْهُمَا وَحْدَهُ قَهْرًا قَطْعًا ‏(‏وَلَوْ‏)‏ تَعَدَّدَتْ الصَّفْقَةُ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ، كَأَنْ ‏(‏اشْتَرَى عَبْدٌ رَجُلَيْنِ مَعِيبًا‏)‏ أَوْ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ، كَأَنْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ كُلَّ وَاحِدٍ بِمِائَةٍ ‏(‏فَلَهُ‏)‏ فِي الْأُولَى ‏(‏رَدُّ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا‏)‏ وَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ رَدُّ أَحَدِهِمَا أَوْ بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي، كَمَا قَالَ ‏(‏وَلَوْ اشْتَرَيَاهُ‏)‏ أَيْ اثْنَانِ عَبْدٌ وَاحِدٌ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ ‏(‏فَلِأَحَدِهِمَا الرَّدُّ‏)‏ لِنَصِيبِهِ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ رَدَّ جَمِيعَ مَا مَلَكَهُ مِنْ الْمَرْدُودِ عَلَيْهِ‏.‏ تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي اشْتَرَيَاهُ يَعُودُ عَلَى عَبْدِ الرَّجُلَيْنِ لَوْلَا مَا قَدَّرْتُهُ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ هَذَا الْبَيْعُ فِي حُكْمِ أَرْبَعِ عُقُودٍ، وَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرِيًا لِلرُّبْعِ مِنْ هَذَا وَالرُّبْعِ مِنْ ذَاكَ حَتَّى يَرُدَّ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا الرُّبْعَ، وَهُوَ صَحِيحٌ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ لَا مِنْ حَيْثُ الْخِلَافُ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ قَطْعًا وَبِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي فِي الْأَظْهَرِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ إعَادَةُ الضَّمِيرِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمَبِيعِ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ وَاحِدٌ مِنْ وَكِيلِ اثْنَيْنِ أَوْ مِنْ وَكِيلَيْ وَاحِدٍ جَاءَ الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْوَكِيلِ أَوْ الْمُوَكِّلِ وَقَدْ مَرَّ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَلَوْ اشْتَرَى ثَلَاثَةٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَكُلُّ مُشْتَرٍ مِنْ كُلِّ تِسْعَةٍ؛ وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنْ تَضْرِبَ عَدَدَ الْبَائِعِينَ فِي عَدَدِ الْمُشْتَرِينَ عِنْدَ التَّعَدُّدِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا عِنْدَ الِانْفِرَادِ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَمَا حَصَلَ فَهُوَ عَدَدُ الْعُقُودِ، وَلَوْ اشْتَرَى بَعْضَ عَبْدٍ ثُمَّ عَلِمَ الْعَيْبَ بَعْدَمَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ‏:‏ كَأَنْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ رَهَنَهُ ثُمَّ اشْتَرَى بَاقِيَهُ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ الْبَعْضُ الْأَوَّلُ كَانَ لَهُ رَدُّهُ دُونَ الثَّانِي‏:‏ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ عَالِمًا بِعَيْبِهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قِدَمِ الْعَيْبِ صُدِّقَ الْبَائِعُ بِيَمِينِهِ عَلَى حَسَبِ جَوَابِهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قِدَمِ الْعَيْبِ‏)‏ وَحُدُوثِهِ، كَأَنْ قَالَ كُلٌّ لِلْآخَرِ حَدَثَ عِنْدَك وَدَعْوَاهُمَا فِيهِ مُمْكِنَةٌ بِأَنْ اُحْتُمِلَ قِدَمُهُ وَحُدُوثُهُ كَبَرَصٍ ‏(‏صُدِّقَ الْبَائِعُ‏)‏؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعَيْبِ ‏(‏بِيَمِينِهِ‏)‏ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ الْمُشْتَرِي، فَالْبَائِعُ يَدَّعِي الْحُدُوثَ وَيُتَصَوَّرُ أَنْ يَدَّعِي قِدَمَهُ، وَهُوَ فِيمَا إذَا بَاعَ الْحَيَوَانَ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ، وَالْحُكْمُ فِيهَا كَالْأَوَّلِ عَلَى الظَّاهِرِ، وَقِيلَ الْمُصَدَّقُ فِي هَذِهِ الْمُشْتَرِي، وَإِذَا صَدَّقْنَا الْبَائِعَ بِيَمِينِهِ فِي الْأُولَى لَا يَثْبُتُ بِيَمِينِهِ حُدُوثُ الْعَيْبِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهَا صَلُحَتْ لِلدَّفْعِ عَنْهُ، فَلَا تَصْلُحُ لِشَغْلِ ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي، فَلَوْ فُسِخَ الْبَيْعُ مَثَلًا بِتَحَالُفٍ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَرْشُ الْعَيْبِ وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْلِفَ الْآنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَادِثٍ، قَالَهُ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ أَمَّا مَا لَا يُحْتَمَلُ حُدُوثُهُ بَعْدَ الْبَيْعِ كَإِصْبَعٍ زَائِدَةٍ وَشَيْنِ شَجَّةٍ مُنْدَمِلَةٍ، وَقَدْ جَرَى الْبَيْعُ أَمْسِ أَوْ لَا يُحْتَمَلُ قِدَمُهُ كَشَجَّةٍ طَرِيَّةٍ وَقَدْ جَرَى الْبَيْعُ وَالْقَبْضُ مِنْ سَنَةٍ مَثَلًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فِي الْأُولَى وَقَوْلُ الْبَائِعِ فِي الثَّانِيَةِ بِلَا يَمِينٍ فِيهِمَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ بَاعَهُ عَصِيرًا وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ فَوُجِدَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي خَمْرًا فَقَالَ الْبَائِعُ‏:‏ عِنْدَك صَارَ خَمْرًا وَقَالَ الْمُشْتَرِي‏:‏ بَلْ عِنْدَك كَانَ خَمْرًا وَأَمْكَنَ كُلٌّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ صُدِّقَ الْبَائِعُ بِيَمِينِهِ لِمُوَافَقَتِهِ لِلْأَصْلِ مِنْ اسْتِمْرَارِ الْعَقْدِ‏.‏ وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ مَسْأَلَتَانِ‏:‏ الْأُولَى‏:‏ مَا لَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي وُجُودَ عَيْبَيْنِ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَاعْتَرَفَ بِأَحَدِهِمَا، وَادَّعَى حُدُوثَ الْآخَرِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الرَّدَّ يَثْبُتُ بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ بِأَحَدِهِمَا فَلَا يَبْطُلُ بِالشَّكِّ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْأُسْتَاذِ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ عَنْ النَّصِّ‏.‏ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏:‏ وَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينِ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ نَكَلَ لَمْ تُرَدَّ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُرَدُّ إذَا كَانَتْ تُثْبِتُ لِلْمَرْدُودِ عَلَيْهِ حَقًّا وَلَا حَقَّ لَهُ هُنَا، وَلَكِنْ لَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ‏.‏ الثَّانِيَةِ‏:‏ لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا غَائِبًا وَكَانَ قَدْ رَآهُ وَأَبْرَأَ الْبَائِعَ مِنْ عَيْبٍ بِهِ ثُمَّ أَتَاهُ بِهِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي‏:‏ قَدْ زَادَ الْعَيْبُ وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ، فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ عِلْمَهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَمْ يُقْبَلْ كَادِّعَائِهِ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْعَيْبِ ذَكَرَاهُ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الْعَيْبِ أَوْ صِفَتِهِ هَلْ هِيَ عَيْبٌ أَوْ لَا‏؟‏ صُدِّقَ الْبَائِعُ بِيَمِينِهِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعَيْبِ وَدَوَامُ الْعَقْدِ هَذَا إذَا لَمْ يَعْرِفْ الْحَالَ مِنْ غَيْرِهِمَا، فَإِنْ عَرَفَ مِنْ غَيْرِهِمَا فَلَا بُدَّ مِنْ قَوْلِ عَدْلَيْنِ عَارِفَيْنِ بِذَلِكَ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَتَبِعَهُمْ ابْنُ الْمُقْرِي وَقِيلَ يَكْفِي كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَلَمْ يُرَجِّحْ الشَّيْخَانِ شَيْئًا مِنْ الْمَقَالَتَيْنِ، وَإِذَا حَلَفَ الْبَائِعُ يَحْلِفُ ‏(‏عَلَى حَسَبِ‏)‏ بِفَتْحِ السِّينِ‏:‏ أَيْ مِثْلِ ‏(‏جَوَابِهِ‏)‏ فَإِنْ قَالَ فِي جَوَابِهِ‏:‏ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَوْ لَا يَلْزَمُنِي قَبُولُهُ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَكْفِي فِي الْجَوَابِ التَّعَرُّضُ لِعَدَمِ الْعَيْبِ وَقْتَ الْقَبْضِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي عَلِمَ الْعَيْبَ وَرَضِيَ بِهِ، فَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ عَلِمَ الْمُشْتَرِي الْعَيْبَ وَرَضِيَ بِهِ كُلِّفَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ فِي جَوَابِهِ‏:‏ مَا أَقْبَضْتُهُ إلَّا سَلِيمًا مِنْ الْعَيْبِ حَلَفَ كَذَلِكَ، وَلَا يَكْفِي فِي الْجَوَابِ وَالْحَلِفِ مَا عَلِمْتُ بِهِ هَذَا الْعَيْبِ عِنْدِي، وَيَجُوزُ الْحَلِفُ عَلَى الْبَتِّ اعْتِمَادًا عَلَى ظَاهِرِ السَّلَامَةِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَوْ يَظُنَّ خِلَافَهُ، وَلَوْ ادَّعَى الْبَائِعُ عِلْمَ الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ أَوْ تَقْصِيرَهُ فِي الرَّدِّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي‏.‏ قَالَ الدَّارِمِيُّ‏:‏ هَذَا إذَا كَانَ مِثْلُ الْعَيْبِ يَخْفَى عَلَى الْمُشْتَرِي‏:‏ أَيْ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَخْفَى كَقَطْعِ أَنْفِهِ أَوْ يَدِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ‏.‏

المتن‏:‏

وَالزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ كَالسِّمَنِ تَتْبَعُ الْأَصْلَ، وَالْمُنْفَصِلَةُ كَالْوَلَدِ وَالْأُجْرَةِ لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ، وَهِيَ لِلْمُشْتَرِي إنْ رَدَّ بَعْدَ الْقَبْضِ وَكَذَا قَبْلَهُ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَالزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ‏)‏ بِالْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ ‏(‏كَالسِّمَنِ‏)‏ وَكِبَرِ الشَّجَرَةِ وَتَعَلُّمِ الصَّنْعَةِ وَالْقُرْآنِ ‏(‏تَتْبَعُ الْأَصْلَ‏)‏ فِي الرَّدِّ لِعَدَمِ إمْكَانِ إفْرَادِهَا؛ وَلِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ تَجَدَّدَ بِالْفَسْخِ فَكَانَتْ الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ فِيهِ تَابِعَةً لِلْأَصْلِ كَالْعَقْدِ ‏(‏وَالْمُنْفَصِلَةُ‏)‏ عَيْنًا وَمَنْفَعَةً ‏(‏كَالْوَلَدِ وَالْأُجْرَةِ‏)‏ وَكَسْبِ الرَّقِيقِ وَالرِّكَازِ الَّذِي يَجِدُهُ وَمَا وُهِبَ لَهُ فَقَبِلَهُ وَقَبَضَهُ وَمَا وُصِّيَ لَهُ بِهِ فَقَبِلَهُ وَمَهْرُ الْجَارِيَةِ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ ‏(‏لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ‏)‏ بِالْعَيْبِ عَمَلًا بِمُقْتَضَى الْعَيْبِ‏.‏ نَعَمْ وَلَدُ الْأَمَةِ الَّذِي لَمْ يُمَيِّزْ يَمْنَعُ الرَّدَّ لِحُرْمَةِ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي هُنَا، وَتَقَدَّمَ فِي الْمَنَاهِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ ‏(‏وَهِيَ‏)‏ أَيْ الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ مِنْ الْبَيْعِ ‏(‏لِلْمُشْتَرِي‏)‏ وَمِنْ الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ ‏(‏إنْ رَدَّ‏)‏ الْمَبِيعَ فِي الْأُولَى وَالثَّمَنَ فِي الثَّانِيَةِ ‏(‏بَعْدَ الْقَبْضِ‏)‏ سَوَاءٌ أَحَدَثَ بَعْدَ الْقَبْضِ أَمْ قَبْلَهُ لِمَا رُوِيَ ‏{‏أَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَ مِنْ آخَرَ غُلَامًا فَأَقَامَ عِنْدَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَخَاصَمَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ‏:‏ قَدْ اسْتَعْمَلَ غُلَامِي، فَقَالَ‏:‏ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ‏}‏ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ فَوَائِدَ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي فِي مُقَابَلَةِ أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ كَانَ مِنْ ضَمَانِهِ، وَقِيسَ عَلَى الْمَبِيعِ الثَّمَنُ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ الْمَغْصُوبُ وَالْمَبِيعُ قَبْلَ قَبْضِهِ لَوْ تَلِفَ تَحْتَ ذِي الْيَدِ ضَمِنَهُ وَلَيْسَ لَهُ خَرَاجُهُ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الضَّمَانَ هُنَا مُعْتَبَرٌ بِالْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ الضَّمَانُ الْمَعْهُودُ فِي الْخَبَرِ، وَوُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى ذِي الْيَدِ فِيمَا ذُكِرَ لَيْسَ لِكَوْنِهِ مِلْكَهُ، بَلْ لِوَضْعِ يَدِهِ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ بِطَرِيقٍ مُضَمَّنٍ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ إنْ رَدَّهُ ‏(‏قَبْلَهُ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَمُقَابِلُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يَرْفَعُهُ مِنْ أَصْلِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

إنَّمَا جَمَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّمْثِيلِ بَيْنَ الْأُجْرَةِ وَالْوَلَدِ لِيُعَرِّفكَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي عَدَمِ امْتِنَاعِ الرَّدِّ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَفْسِ الْمَبِيعِ كَالْوَلَدِ أَمْ لَا كَالْأُجْرَةِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا كَانَ مِنْ نَفْسِ الْمَبِيعِ، وَإِنَّمَا مَثَّلَ لِلْمُتَوَلِّدِ مِنْ نَفْسِ الْمَبِيعِ بِالْوَلَدِ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ وَغَيْرِهَا لِيُعَرِّفكَ أَنَّهَا تَبْقَى لَهُ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ الْأَصْلِ خِلَافًا لِمَالِكٍ، قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ قَالَ‏:‏ وَهُوَ مِنْ مَحَاسِنِ كَلَامِهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ بَاعَهَا حَامِلًا فَانْفَصَلَ رَدَّهُ مَعَهَا فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ بَاعَهَا‏)‏ أَيْ الْجَارِيَةَ أَوْ الْبَهِيمَةَ ‏(‏حَامِلًا‏)‏ وَهِيَ مَعِيبَةٌ مَثَلًا ‏(‏فَانْفَصَلَ‏)‏ الْحَمْلُ ‏(‏رَدَّهُ مَعَهَا‏)‏ إنْ لَمْ تَنْقُصْ بِالْوِلَادَةِ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ يُعْلَمُ وَيُقَابَلُ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ لَا بِنَاءً عَلَى مُقَابِلِهِ‏.‏ أَمَّا إذَا نَقَصَتْ بِالْوِلَادَةِ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الرَّدُّ قَهْرًا كَسَائِرِ الْعُيُوبِ الْحَادِثَةِ‏.‏ نَعَمْ إنْ جَهِلَ الْحَمْلَ وَاسْتَمَرَّ إلَى الْوَضْعِ فَلَهُ الرَّدُّ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْحَادِثَ بِسَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ كَالْمُتَقَدِّمِ وَلَوْ انْفَصَلَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلِلْبَائِعِ حَبْسُهُ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَأُمِّهِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ‏:‏ فَانْفَصَلَ عَمَّا إذَا لَمْ يَنْفَصِلْ فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا كَذَلِكَ، وَلَوْ حَدَثَ الْحَمْلُ فِي مِلْكِهِ لَمْ يَتْبَعْ فِي الرَّدِّ بَلْ هُوَ لَهُ يَأْخُذُهُ إذَا انْفَصَلَ، وَعَلَيْهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ، وَغَيْرُهُ‏:‏ وَلَهُ حَبْسُ أَمَتِهِ حَتَّى تَضَعَ ا هـ‏.‏

وَحُدُوثُ حَمْلِ الْأَمَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ يَمْنَعُ الرَّدَّ قَهْرًا إنْ نَقَصَتْ بِهِ، وَالطَّلْعُ كَالْحَمْلِ، وَالتَّأْبِيرُ كَالْوَضْعِ، فَإِذَا اشْتَرَى نَخْلَةً عَلَيْهَا طَلْعٌ غَيْرُ مُؤَبَّرٍ وَعَلِمَ عَيْبَهَا بَعْدَ التَّأْبِيرِ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَالصُّوفُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الْعَقْدِ يُرَدُّ مَعَ الْأَصْلِ، وَإِنْ جَزَّهُ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْمَبِيعِ، وَيَرُدُّ أَيْضًا الْحَادِثَ بَعْدَ الْعَقْدِ مَا لَمْ يُجَزَّ، فَإِنْ جُزَّ لَمْ يُرَدَّ كَالْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ، وَهَذَا مَا فِي فَتَاوَى الْقَاضِي وَجَرَى عَلَيْهِ الْخُوَارِزْمِيُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَلَكِنْ كَانَ قِيَاسُ الْحَمْلِ أَنَّ مَا لَمْ يُجَزَّ لَا يُرَدُّ أَيْضًا، وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ وَأَلْحَقَ بِهِ اللَّبَنَ الْحَادِثَ، وَالْأَوَّلُ وَإِنْ وُجِّهَ بِأَنَّهُ كَالسَّمْنِ فَالثَّانِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَوْجَهُ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏.‏

وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ إنَّهُ الْأَصْوَبُ وَالْحَادِثُ مِنْ أُصُولِ الْكُرَّاثِ وَنَحْوِهِ التَّابِعَةِ لِلْأَرْضِ فِي بَيْعِهَا لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَبَعًا لِلْأَرْضِ‏:‏ أَلَا تَرَى أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْهَا فِي ابْتِدَاءِ الْبَيْعِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَا يَمْنَعُ الرَّدُّ الِاسْتِخْدَامَ وَوَطْءَ الثَّيِّبِ، وَافْتِضَاضُ الْبِكْرِ بَعْدَ الْقَبْضِ نَقْصٌ حَدَثَ وَقَبْلَهُ جِنَايَةٌ عَلَى الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَا يَمْنَعُ الرَّدُّ الِاسْتِخْدَامَ‏)‏ إجْمَاعًا ‏(‏وَ‏)‏ لَا ‏(‏وَطْءَ الثَّيِّبِ‏)‏ أَوْ الْعَوَرُ مَعَ بَقَاءِ بَكَارَتِهَا مِنْ مُشْتَرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَإِنْ حُرِّمَتْ بِالْوَطْءِ عَلَى الْبَائِعِ كَوَطْءِ أَصْلِهِ أَوْ فَرْعِهِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إلْمَامٌ مِنْ غَيْرِ إيلَامٍ فَلَا يَمْنَعُ الرَّدُّ كَالِاسْتِخْدَامِ‏.‏ هَذَا إذَا وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ غَيْرُهُ بِشُبْهَةٍ أَوْ مُكْرَهَةً‏.‏ أَمَّا إذَا كَانَتْ زَانِيَةً فَهُوَ عَيْبٌ حَادِثٌ يَمْنَعُ الرَّدَّ إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ ‏(‏وَاقْتِضَاضُ الْبِكْرِ‏)‏ بِالْقَافِ‏:‏ أَيْ زَوَالُ بَكَارَتِهَا مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ بِوَثْبَةٍ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا ذَكَرَ ‏(‏بَعْدَ الْقَبْضِ نَقْصٌ حَدَثَ‏)‏ فَيَمْنَعُ الرَّدَّ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ الْحَادِثَةِ، إلَّا إنْ كَانَ بِزَوَاجٍ سَابِقٍ كَمَا مَرَّ ‏(‏وَقَبْلَهُ جِنَايَةٌ عَلَى الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ‏)‏ فَيَفْصِلُ فِيهِ بَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ وَالْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُشْتَرِي فَلَا رَدَّ لَهُ بِالْعَيْبِ وَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهَا، فَإِنْ قَبَضَهَا لَزِمَهُ الثَّمَنُ بِكَمَالِهِ، وَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَ قَبْضِهَا لَزِمَهُ قَدْرُ النَّقْصِ مِنْ الثَّمَنِ، أَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ وَأَجَازَ هُوَ الْبَيْعَ فَلَهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ‏.‏ ثُمَّ إنْ كَانَ زَوَالُهَا مِنْ الْبَائِعِ أَوْ بِآفَةٍ أَوْ بِزَوَاجٍ سَابِقٍ فَهَدَرٌ، أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَعَلَيْهِ الْأَرْشُ إنْ زَالَتْ بِلَا وَطْءٍ أَوْ بِوَطْءِ زِنًا مِنْهَا، وَإِلَّا لَزِمَهُ مَهْرُ بِكْرٍ مِثْلِهَا بِلَا إفْرَادِ أَرْشٍ وَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي‏.‏ لَكِنَّهُ إنْ رَدَّ بِالْعَيْبِ سَقَطَ مِنْهُ قَدْرُ الْأَرْشِ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ وُجُوبِ مَهْرِ بِكْرٍ هُنَا لَا يُخَالِفُ مَا فِي الْغَصْبِ وَالدِّيَاتِ مِنْ وُجُوبِ مَهْرِ ثَيِّبٍ وَأَرْشِ بَكَارَةٍ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَالِكِ هُنَا ضَعِيفٌ فَلَا يَحْتَمِلُ شَيْئَيْنِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ‏.‏ وَلِهَذَا لَمْ يُفَرِّقُوا ثَمَّ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَلَا مَا فِي آخِرِ الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا فِي الْمَبِيعَةِ بَيْعًا فَاسِدًا مِنْ وُجُوبِ مَهْرِ بِكْرٍ وَأَرْشٍ لِوُجُودِ الْعَقْدِ الْمُخْتَلَفِ فِي حُصُولِ الْمِلْكِ بِهِ ثَمَّ كَمَا فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بِخِلَافِهِ فِيمَا ذُكِرَ‏:‏ أَيْ فَإِنَّ فَاسِدَ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ، وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ مَضْمُونٌ فِي صَحِيحِ الْبَيْعِ فَيَجِبُ أَرْشُ بَكَارَةٍ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ كَمَا يَجِبُ فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَلَا يَجِبُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ كَمَا لَا يَجِبُ فِي صَحِيحِهِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي لَوْ أَزَالَ بَكَارَتَهَا بِوَطْءٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ بِغَيْرِ أَرْشِ الْبَكَارَةِ، وَلَوْ أَزَالَهَا بِأُصْبُعِهِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ ثُمَّ طَلَّقَهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَالتَّشْبِيهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ فَاسِدَ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ لَا أَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ فِيهِ أَرْشُ بَكَارَةٍ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ‏.‏ تَتِمَّةٌ‏:‏ مَنْ عَلِمَ فِي السِّلْعَةِ عَيْبًا لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا حَتَّى يُبَيِّنَهُ حَذَرًا مِنْ الْغِشِّ، لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ ‏{‏مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا‏}‏ وَلِحَدِيثِ ‏{‏الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ شَيْئًا يَعْلَمُ بِهِ عَيْبًا إلَّا بِبَيِّنَةٍ‏}‏ أَيْ فَيَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يُعْلِمَ الْمُشْتَرِيَ بِالْعَيْبِ، وَلَوْ حَدَثَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ مِنْ ضَمَانِهِ، بَلْ وَعَلَى غَيْرِ الْبَائِعِ إذَا عَلِمَ بِالْعَيْبِ أَنْ يُبَيِّنَهُ لِمَنْ يَشْتَرِيهِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُشْتَرِي مُسْلِمًا أَمْ كَافِرًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ النُّصْحِ، وَكَالْعَيْبِ فِي ذَلِكَ كُلُّ مَا يَكُونُ تَدْلِيسًا‏.‏